خدمة الحرمين وضيوف الرحمن.. خصوصية سعودية

خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن حجاجًا ومعتمرين منحة ربانية، وخصوصية سعودية؛ شرّف الله بها المملكة العربية السعودية، التي أخذت على عاتقها منذ تأسيسها توفير أفضل السبل والوسائل والظروف؛ لأداء مناسك الحج والعمرة بكل يسر وسهولة وأمن وأمان.. وسخرت المقدرات والإمكانيات المادية والبشرية والتقنية والأمنية كافة لتقديم أفضل الخدمات وأكثرها تطورًا وراحة لضيوف الرحمن على مدار الساعة وطوال العام، وقدمت للعالم أنموذجًا فريدًا في التنظيم والإدارة بما لا مثيل له في التاريخ قديمًا وحديثًا.

ولا يمكن حصر جهود السعودية في إدارة وتنظيم الحج وخدمة الحجاج والمعتمرين في جانب أو جانبين؛ فهي منظومة عمرانية أمنية خدمية متكاملة فريدة، يندرج تحتها جميع ما يمكن تسخيره وبذله في سبيل إنجاح مواسم الحج والعمرة وخدمة ضيوف الرحمن من أمن وأمان وعمارة وصحة ونقل وخدمات وتقنيات.. ومن أبرز معالم جهود السعودية في تنظيم شعيرة الحج:

1- استتباب الأمن والأمان الذي لا يوجد له نظير قديمًا وحديثًا، سواء من حيث الاستعدادات والآليات، وعدد رجال الأمن من جميع القطاعات، والمراقبة الميدانية بأحدث التقنيات؛ لضمان أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين.. وقد أُنشئت لذلك "القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة"، حتى بات الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة مشهدًا لأكبر تجمع بشري آمن وخال من الحوادث وما يعكر صفو المشاعر والشعائر.

2- مشاريع التوسعات الكبرى للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة من حيث الحجم والمساحة والطاقة الاستيعابية والعناصر المعمارية والخدمات المساندة.. التي تميزت بقوة البنى التحتية، وروعة العمارة الإسلامية السعودية الحديثة، الجامعة بين أصالة الماضي ورونق الحاضر. وقد أصبحت مساحة المسجد الحرام نحو مليون متر مربع، بطاقة استيعابية نحو مليونَي مُصلٍّ.

كما يمثل مشروع توسعة الجمرات نقلة نوعية في خدمة حجاج بيت الله الحرام في مشعر منى بأعلى معايير الجودة والمتانة؛ لتوفير أعلى معايير الأمن والسلامة للحجاج أثناء رمي الجمرات، وتجنُّب الحوادث والمخاطر التي كانت تطرأ بسبب شدة الزحام الذي كان يحدث سابقًا. وقد بلغت الطاقة الاستيعابية لمشروع الجمرات (300) ألف حاج في الساعة، ويصل طوله (950) مترًا، وعرضه (80) مترًا، وصُمم على أن تكون أساساته متينة قادرة على تحمُّل الزيادة المستقبلية للحجاج على امتداد (12) طابقًا، بما يتجاوز (5) ملايين حاج. ويتكون المبنى من (5) طوابق، تتوافر فيها جميع الخدمات المساندة لراحة ضيوف الرحمن، بما في ذلك نفق أرضي لنقل الحجاج؛ ليفصل حركة المركبات عن المشاة. ويبلغ ارتفاع الدور الواحد (12) مترًا.

3- الخدمات الصحية: إذ يحظى ضيوف الرحمن بالرعاية الصحية على مدار (24) ساعة طوال أيام الأسبوع في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة.. وقد بلغ عدد المستشفيات في عام 1444هــ أكثر من (32) مستشفى، يساندها (140) مركزًا صحيًّا، بطاقة استيعابية بلغت (6132) سريرًا، فيما بلغ عدد الأسرّة المخصصة للعناية المركزة (761) سريرًا، وبلغ عدد الأسرّة المخصصة لضربات الشمس (222) سريرًا، كما بلغ عدد الكوادر الصحية المؤهلة لخدمة ضيوف الرحمن نحو (32) ألف ممارس، إضافة إلى توفير (190) سيارة إسعاف، وتهيئة (16) مركز طوارئ على منشأة جسر الجمرات في مشعر منى.

وبلغ عدد الحجاج الذين تلقوا الخدمات العلاجية عبر المستشفيات والمراكز الصحية في مكة المكرمة والمدينة المنورة عام 1444هـ (76635) حاجًّا وحاجة، واشتملت على إجراء (23) عملية قلب مفتوح، و(162) قسطرة قلبية، فيما أجريت (385) عملية غسيل كلوي، و(38) عملية مناظير، بينما دخل (1590) حاجًّا وحاجة إلى المستشفيات، وسجلت حالتا ولادة.

هذه الأرقام والنسب تعكس مدى عناية السعودية واهتمامها البالغ بضيوف الرحمن، من خلال تسخير جيش من الكوادر الصحية والمعدات الطبية، الذي يعتبر مفخرة طبية سعودية إنسانية، لا مثيل لها في إدارة الحشود في العالم كمًّا وكيفًا.

4- منظومة النقل: من أهم المجالات الممكنة والمساهمة في خدمة ضيوف الرحمن من خلال توفير جميع وسائل النقل البرية والجوية والبحرية والسكك الحديدية.. وقد اعتنت السعودية عناية خاصة ببناء شبكة من الطرق الموصلة من المدن والمطارات والموانئ إلى الحرمين الشريفين، التي تعد الأولى على مستوى العالم في مؤشر الترابط، وتتميز بمعايير جودة عالية مدعمة بالخدمات وأمن الطرق على مدار الساعة، فضلاً عن شبكة الطرق والأنفاق والجسور داخل مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ لنقل الحجاج من خلال توفير أكثر من (27) ألف حافلة، و(5) آلاف سيارة أجرة، وتحديد (16) مسارًا للنقل العام لتيسير حركة الحجاج.

كما سخرت الدولة إمكانيات النقل الجوي كافة لخدمة الحجاج والمعتمرين، وخصصت (13) صالة سفر موزعة على (6) مطارات رئيسية؛ لاستقبال (7700) رحلة جوية، فضلاً عن تخصيص (150) طائرة من أسطول الخطوط السعودية لتوفير (1.2) مليون مقعد.

أما خدمات السكك الحديدية فقد أحدثت نقلة نوعية كبرى في خدمة الحجاج والمعتمرين من خلال قطار المشاعر المقدسة؛ لتسهيل حركة الحجاج بين المحطات الـ (9) التي تشمل منى ومزدلفة وعرفات، وذلك باستخدام (17) قطارًا مهيَّأً لخدمة ضيوف الرحمن، إضافة لقطار الحرمين السريع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، الذي يقدم خدماته عبر (35) قطارًا و(5) محطات مع تنفيذ أكثر من (3.800) رحلة خلال الموسم.

5- التوعية الدينية والإرشاد: من أهم المجالات التي توليها الدولة عناية فائقة؛ بهدف توعية الحجاج والمعتمرين، وتوجيههم وإرشادهم من خلال حملات إعلامية مكثفة بجميع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتوزيع الكتيبات الإرشادية، وتنظيم المحاضرات والندوات لتعليم الحجاج كيفية أداء المناسك بالطريقة الشرعية الصحيحة، والإجابة عما يشكل ويطرأ عليهم من المسائل الدينية.. وكل ذلك بأكثر من (30) لغة.

ما سبق ذكره من جهود وخدمات عظيمة شهدت نقلة نوعية كبرى في ظل رؤية السعودية 2030، تحت قيادة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الذي يولي عناية فائقة لتطوير قطاع الحج والعمرة، وتحسين الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، كأحد أهم مستهدفات رؤية 2030، التي أعلنت "برنامج خدمة ضيوف الرحمن" عام 2019م؛ للارتقاء بخدمة الملايين من ضيوف الرحمن من جميع بقاع العالم إلى مستويات غير مسبوقة، عبر تحليل دقيق لجميع نقاط رحلة الحاج والمعتمر؛ لضمان تمتع ضيوف الرحمن بتجربة ثرية ومتكاملة، من خلال مبادرات وبرامج، من أهمها تسهيل استخراج التأشيرة في مدة زمنية قياسية، وإطلاق "منصة نسك" لتكون حلاً رقميًّا مميزًا، يقدم العديد من الخدمات لتسهيل رحلة ضيوف الرحمن، إضافة لمبادرة طريق مكة، ومبادرة التأمين الصحي، وحج بلا حقيبة، ومشروع حافلات مكة، وخدمة النقل الترددي في المدينة المنورة، والارتقاء بجودة الخدمات والمرافق وصولاً إلى إثراء التجربة الثقافية الإسلامية، واكتشاف السعودية والاستمتاع بها.

ويسعى البرنامج لتحقيق هدف رؤية السعودية 2030 لتمكين أكبر عدد من المسلمين من أداء فريضة الحج ومناسك العمرة من خلال رفع تطوير الكوادر البشرية، وتأهيل البنية التحتية لتحقيق هدف البرنامج برفع جاهزية السعودية لاستضافة (15) مليون معتمر سنويًّا بحلول عام 2025م.

ولا ينقطع الحديث عن جهود السعودية في خدمة الحرمين وضيوف الرحمن، ولا يمكن حصرها في لقاء أو مقال، إلا أن ما سبق ذكره من نقاط رئيسية كافٍ لمعرفة مدى عناية السعودية ودعمها اللامحدود لخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، بما يبهر العقول.. ولا يمكن تصور هذه المنظومة الرائعة وإدارتها ومجاراتها في غير السعودية؛ لأنها منحة ربانية وخصوصية سعودية، يشهد لها الحجاج والمعتمرون، وأشادت بها الدول ووسائل الإعلام العالمية.

وتجدر الإشارة إلى أن خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن وتنظيم وإدارة شعيرة الحج من أهم معالم مكانة السعودية وريادتها عالميًّا، وعنوان سيادتها دينيًّا وسياسيًّا، ولا يمكن المساس بها ولا استغلالها لبث شعارات سياسية ونعرات طائفية؛ فالحج عبادة لا سياسة، ولا تهاون مع من أراد تعكير صفو هذه الشعيرة العظيمة بالخروج عن مقاصدها الشرعية. والتاريخ يشهد للعهد السعودي ببطولات الحزم وضبط الأمن التي حطمت آمال المتربصين وذوي الأجندات الطائفية.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org