المشاريع المتعثرة.. هدرٌ وتعطيلٌ للتنمية

تم النشر في

ظلت مشكلة تعثُّر المشاريع تُمثل عقبة تعترض طريق التنمية في معظم مناطق السعودية؛ إذ تقف تلك المشاريع بلا فائدة؛ فلا هي اكتملت واستفاد منها المواطن والمقيم، كما لا يمكن استرداد الأموال التي صُرفت فيها.

وبالرغم من تعدُّد الأسباب الحقيقية التي تقف وراء التعثر إلا أن السبب الأبرز هو أن معظمها قد تم إيقاف تنفيذها لعيوب أساسية رافقت عملية الإنشاء؛ بسبب عدم التزام الطرف المنفِّذ بشروط العقد ومواصفاته القياسية.

تلك المشاريع تُمثِّل أولوية مرتبطة بحياة الناس، وتتعلق بمستقبلهم، ولم يتم إقرارها والتصديق بإنشائها إلا لأنها تُمثِّل حاجة أساسية للمواطنين؛ فغالبيتها عبارة عن مدارس ومستشفيات ومراكز صحية وطرق وكباري ومرافق عامة؛ لذلك فإن التأخير في إكمالها يزيد من معاناتهم، ويُعرِّضهم لتحمُّل المشاق والصعوبات.

كما أن التكلفة الاقتصادية لهذه المشاريع تتضاعف بالسالب؛ فقد تم خصم مخصصاتها قبل سنوات عديدة من الميزانية العامة للدولة، وصرفت معظم قيمتها المالية للشركات المنفِّذة، وفي ظل عدم استكمال المشاريع فإن تلك الأموال تظل مجمَّدة وغير مستغلَّة بصورة صحيحة، فيما كانت ستحقق مكاسب كثيرة لو تم إعادة ضخها في دورة الاقتصاد الوطني.

لستُ هنا لأتحدث عن الإخفاقات التي تصاحب عمليات الترسية، وما صاحب كثيرًا من تلك المشاريع من شبهات فساد ومغالاة في الأسعار وعدم التزام بالخطوات النظامية؛ فهذا شأن الأجهزة المختصة.. وفي عهد الشفافية الذي نعيشه فإن الثقة تملأ الجميع بأن مَن أخطأ في حق الوطن، أو أباح لنفسه اختلاس المال العام، وارتضى الكسب الحرام، فسوف يدفع ثمن ما اقترفت يداه، كائنًا من كان، وفق تأكيد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، وما تقوم به "نزاهة" في الوقت الحالي من جهود كبيرة كفيل بتحقيق ذلك.

ما أود التركيز عليه في هذه السانحة هو ضرورة البحث عن حلول لمشكلة المشاريع المتوقفة؛ لأنها -كما ذكرت سابقًا- تمس حياة الناس بصورة مباشرة؛ فالكثير من المدارس يمكن أن تزيح عن الأسر مصاريف ترحيل أبنائهم لمدارس بعيدة، وتعفي الدولة من تكلفة المدارس المستأجرة. كذلك فإن المستشفيات المتعثرة، ولاسيما في القرى والمدن البعيدة، سوف تريحهم من عناء السفر للمدن الكبرى؛ وبالتالي فإن ذلك سوف يسهم بدوره في تحسين البنية التحتية، وتطوير المرافق العامة، وإنعاش الأسواق، وإيجاد فرص عمل إضافية.

لا أعني بطبيعة الحال أن يتم التساهل مع من تجاهلوا المواصفات والشروط القياسية، لكن يمكن سحب المشاريع المتعثرة وإعادة ترسيتها على مقاولين جدد، وتحميل المستهترين التكاليف كافة التي تترتب على أخطائهم، مع ضرورة أن تتضمن العقود الجديدة شروطًا جزائية صارمة، تقضي بفرض غرامات موجعة عن كل يوم تأخير.

كذلك عند ترسية العقود الجديدة لا ينبغي أن يتم التركيز فقط على العرض الأقل قيمة، بل يجب الاهتمام بمراعاة وضع الشركات، ودراسة المشاريع التي قامت في السابق بتنفيذها، ومدى التزامها بالشروط والمواصفات؛ فالكثير من التقارير المختصة تشير إلى أن تجاهُل التحليل الفني للشركات، والاهتمام فقط بترسية العطاءات على أصحاب العروض الأقل تكلفة، دون مراعاة لقدراتهم الفنية، وكثرة ارتباطات أصحاب العروض الفائزة بمشاريع أخرى.. من أهم أسباب التعثر.

وللقضاء على الشركات الوهمية، وحالات التستر الكثيرة المنتشرة في هذا القطاع، فإن مجال المقاولات والإنشاءات بحاجة إلى إعادة هيكلة بما يتناسب مع حجم المشاريع الحالية والمستقبلية؛ لذلك أتمنى على الجهات المختصة تشجيع اندماج الشركات الصغيرة لإيجاد شركات قوية قادرة على الإيفاء بالتزاماتها، والعمل على إنشاء شركات مساهمة جديدة، تُمثل الإضافة المطلوبة.

بلادنا تستشرف مرحلة جديدة في تاريخها، وتمضي بقوة نحو ترقية واقع مواطنيها، وتحسين ظروف حياتهم.. وفي هذا الواقع هناك حاجة ماسة لإنجاز هذه المشاريع التي طال انتظار الموطنين لها؛ لذلك نترقب المسارعة لإكمالها حتى تنعكس خيرًا على واقعهم، بدلاً من أن تتحول لأوكار للمجرمين، ومأوى للكلاب والحيوانات الضالة.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org