ولي العهد يعزّز الإنجاز بتنمية القدرات البشرية ويدق ناقوس الاستعداد للمستقبل

تم النشر في

منذ ما يقارب سبعة أعوامٍ ونحن نتحدث عن التطورات والثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم اليوم، وكثيراً؛ بل دائماً ما نؤكّد أن المستقبل الذي نحن ذاهبون إليه، إنما هو مستقبل التكنولوجيا والسيطرة على عوامل الوقت والجهد والتكلفة، وزيادة الدقة من خلال ضبط عوامل التدخُّل البشري في العمل، والعمل في كل مجالٍ أياً كان، خاصة ونحن على أعتاب الوصول إلى اكتمال رؤية المملكة 2030.

وللتذكير فقط، فقد كانت بوابتنا التي دخلنا منها ونحن مؤمنون بأهمية رؤية المملكة 2030، وإيماناً منا بجدوى ونتائج برنامج التحوُّل الوطني الذي يقوده سيدي ولي العهد -يحفظه الله-، كنا نعلن وما زلنا، أننا نريد الانتهاء من مرحلة سيطرة عوائد النفط على اقتصادنا، وبالتالي على قرارنا ومستقبلنا، لكننا دون انتباهٍ مننا، وتحمسنا المفرط، لم نأخذ في الحسبان أننا قد نكون ذاهبين نحو سيطرة جديدة؛ سيطرة وإدمان جديدين، اسمهما التكنولوجيا، وخطورتها قد تكون أشد من سطوة عوائد النفط؛ لأن خطورتها ليست فقط في عوائدها، بل في عدم القدرة على التخلص منها إذا لزم الأمر ذلك.

لكن في قاموس محمد بن سلمان، ورؤيته الثاقبة نحو مستقبل أكثر أمناً وسلاماً وازدهاراً ونمواً مطرداً، فإن التفاصيل والجزئيات تكون دائماً مهمة، التي قد نغفل عنها نتيجة حماسنا، فالمؤسسة المهنية التي تتكوّن منها شخصية محمد بن سلمان، لا تغفل عنها، هناك فرقٌ دائماً بين أن تكون جندياً على الجبهة تحارب، وبين أن تكون قائد الجيش المطلع على كل التفاصيل والمعطيات، وهذا هو واقعنا اليوم مع كينونة محمد بن سلمان، كمؤسسةٍ وكشخصٍ أيضاً، لهذا عاد محمد بن سلمان -مجدّداً- يوضح لنا أن أساس العمل كله الذي نقوم به اليوم والذي ننتظر قطف ثماره غداً، هو الانسان؛ أمنه وسلامه ومستقبله وطموحه وتنميته، وبالتالي لكي نسخّر القوة التكنولوجية في خدمة أهدافنا ومصالحنا، علينا بالأول أن نضمن أن القدرة البشرية هي التي تتحكم في القوة التكنولوجية، وأن التطور التكنولوجي لا بد أن يتماشى معه، وأكثر منه تطور القدرة البشرية.

من هذا الواقع، وبرعاية سيدي ولي العهد -يحفظه الله-، تمّ في الرياض افتتاح فعاليات مؤتمر "مبادرة القدرات البشرية"، بعنوان رئيس "الاستعداد للمستقبل"، حيث تناول هذا المؤتمر أهم وأبرز التحديات التي تواجهها؛ أو قد تواجهها القدرات البشرية، خاصة ونحن نتحدث عن ظروفٍ عالمية متغيّرة غير ثابتة، وما المؤهلات والمهارات التي لا بد من توافرها في العنصر البشري لكي يتمكن من تلبية طلبات واحتياجات مستقبل سوق العمل، عالمياً ومحلياً. كلنا نعلم أنه كلما زاد الاعتماد على الأدوات والوسائل التكنولوجية، انخفض مقابله الاعتماد على القوة البشرية العاملة، وهذا يعني نقصاً في الوظائف، حتى المهن الحرة التي كنا سابقاً نرى فيها المهارة البشرية عاملاً مهماً، أصبحت تنحصر أمام سطوة التكنولوجيا وتطورها، وبالتالي فإن إحداث التوازن أمرٌ لا بد منه، والأمر ليس بفرض واقع تشغيل القوى العاملة البشرية، بل بتحديد مسارات هذه القوة، دون أيضاً فرض أو رفض دخول التكنولوجيا في مجالات القوى العاملة البشرية، هذا التوازن أمرٌ ليس سهلاً، ويحتاج إلى عصفٍ ذهني كثيرٍ وقوي، والتنبُّه له الآن، كما هو جرس الإنذار المبكّر من خلال هذا المؤتمر، إنما هو حكمة، وبالقدر نفسه ثقة بأن المخطط له خلال الفترة الماضية، خاصة فيما يتعلق بأهداف رؤية المملكة 2030، قد أصبح التحقّق منه ومعالم الإنجاز ظاهراً فعلياً.

المؤتمر شهد الإعلان عن شراكات ومشاريع ضخمة، من خلال تعاونٍ مثمرٍ بين القطاعين الخاص والعام، والقطاع غير الربحي. وللتوضيح، فإن القطاع غير الربحي ليس هو القطاع الخيري، غير الربحي يعني وجود إيرادات، لكنها فقط لتغطية النفقات، وبالتالي فإن وجود قيادة القطاع غير الربحي أمرٌ مهمٌ جداً، لأن هذا القطاع يختلف عن القطاع الاستثماري. إن عوامل الربحية والاستدامة لديه، تكون ضمن مساحات محدّدة، تخفّف من حدة الاحتياج للقوة التكنولوجية، وتعطي مجالاً أوسع للقدرات البشرية، وهذا يلزمه التأسيس المبكّر لهذه القدرات، بما يعني مشاركة قيادات المؤسسات الاكاديمية والمجتمعية، ومراكز الأبحاث والدراسات المتخصّصة.

المؤتمر في إعلانه الأول يؤكّد أهمية الالتزام بالقدرات البشرية المؤهلة، وضرورة إحداث التوازن الذي تحدثنا عنه أعلاه.

بكل تأكيدٍ، فإن المؤتمر ركّز على عوامل أو نقاط رئيسة، كعوامل الحوكمة والإدارات وصناعة القرارات التنفيذية، لأن هذه العوامل هي أساس الاعتماد في تقبُّل تنمية القدرات البشرية، إذ لا بد أن تقتنع القيادات التنفيذية ومركزيات صناعة القرار، بأن لا مستقبل ناجحاً دون وجود قوى بشرية عاملة بنسبة متوافقة مع الازدياد السكاني، وأن النجاح في أي عملٍ أو مشروعٍ يعتمد بالأساس على القدرة البشرية في الوجه الآخر على الشراء والاستفادة، فماذا يعني أن تصنع جوّالاً حديثاً متطوراً بتكنولوجيا حديثة لا تشمل مراحل الصناعة وجود أيادٍ بشرية عاملة؛ إن لم تكن هناك قدرة بشرية على شراء هذا المنتج أساساً.

ستكون لنا وقفاتٌ عديدة مع المؤتمر ومع نتائجه ومع الأهداف التي سعى لتحقيقها، وهنا لا بد من الإشارة برئيس المؤتمر وزير التعليم يوسف بن عبدالله بن محمد البنيان؛ وحضوره المؤثر، وتلك الكلمة الافتتاحية الشاملة الوافية والذكية في الوقت نفسه؛ واختياره مصطلحاته وطريقته في الإقناع التي تؤكّد أهمية الموضوع أولاً، وتؤكّد حجم الاستعداد المسبق لهذا المؤتمر استناداً الى أهميته اليوم وغداً، كذلك لا بد من توجيه الشكر والعرفان للفريق المُبدع العامل مع الوزير؛ كوكبة متميّزة من الخبرات السعودية المتميزة، حيث تمّ تنفيذ ما يقارب 100 جلسة متنوعة حول تنمية القدرات البشرية، وإحداث القدرة على التكيُّف والمرونة، وتطوير المهارات، والتقنية، والابتكار، والاستدامة، والتنمية، والتعليم والتدريب، وتطوير السياسات ذات العلاقة، والحوكمة.. وللحديث بقية.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org