الغول والعنقاء والسياحة الداخلية
بالرغم من الجهود المبذولة لتحويل السعودية إلى وجهة سياحية جاذبة، وإنشاء العديد من المشاريع الضخمة، مثل نيوم والبحر الأحمر، ومشاريع أخرى في جدة والباحة وعسير، وغيرها من المدن والمناطق، إلا أن جهود إقناع السياح السعوديين بقضاء الإجازة داخل بلادهم لا تزال تراوح مكانها – للأسف - ولم تحقق المأمول منها.
فلم تكد الإجازة الصيفية تبدأ حتى اكتظت المطارات في كثير من مدن السعودية بالمسافرين؛ ما يؤكد أن خيار السفر لا يزال هو المفضل للكثيرين الذين يتمسكون بقضاء الإجازات خارج السعودية.
هذه الأعداد الهائلة من المواطنين تنفق بطبيعة الحال أموالاً طائلة خلال السفر، وهذه الأموال كان يمكن الاستفادة منها في إنعاش الأسواق الداخلية، وتعزيز القدرة الشرائية، ولاسيما إذا علمنا أن مقدار ما أنفقه السعوديون على السياحة الخارجية خلال العام الماضي فقط قارب مائة مليار ريال.
كذلك، إن المكاسب التي يمكن أن تتحقق من انتعاش السياحة الداخلية كثيرة، ولا تقتصر على الأرباح المادية؛ فالمخاطر التي تحدق بالمسافرين كبيرة، وتحيط بهم من كل جانب، وبات المواطن الخليجي بصورة عامة، والسعودي بصفة خاصة، يُنظر إليه في كثير من الدول الغربية على أنه "صيد ثمين"؛ إذ يتربص به اللصوص، ويتحينون الفرص للاعتداء عليه؛ ونطالع بكل حسرة في وسائل الإعلام المختلفة أنباء متكررة عن حوادث مميتة، راح ضحيتها مواطنون أبرياء، فقدوا أرواحهم بدون ذنب.
ربما يرى البعض أن السبب الرئيسي في تزايد أعداد المسافرين للخارج هو الرغبة في الهروب من موجة الحر التي تشهدها السعودية خلال هذه الفترة، ولكن هذا غير صحيح؛ بدليل أن كثيرًا من السياح السعوديين يختارون دبي والمنامة والقاهرة لقضاء إجازاتهم، وهي مدن تماثلنا في درجة الحرارة، كما أن السياح عادة ينامون معظم ساعات النهار، وتبدأ جولاتهم وبرامجهم الترفيهية في ساعات الليل.
إذا بحثنا وراء الأسباب التي تعوق نهضة وازدهار السياحة الداخلية سنجد أنها مرتبطة بصورة رئيسية بارتفاع أسعار غرف الفنادق والشقق المفروشة بصورة مبالَغ فيها؛ إذ تفوق نظيراتها في معظم دول المنطقة؛ ما يتسبب في عزوف الكثيرين عن السياحة الداخلية، ويدفعهم للسفر؛ وهو ما يهدد بضياع الجهود كافة التي تهدف لإقناع المواطنين بالبقاء في وطنهم، وجذب السياح من الخارج.
وبالرغم من أن وزارة السياحة، وبقية الأجهزة المختصة، تقوم بتحديد أسعار الغرف والوحدات السكنية حسب تصنيفها، إلا أنها تظل حبرًا على ورق؛ لعدم التقيد بها، وهو ما يستلزم إيجاد حلول حاسمة لهذه المشكلة التي تتكرر سنويًّا، وذلك عبر تكثيف الجولات الرقابية، وإيقاع عقوبات مشددة بحق المؤسسات التي تخالف الأسعار والتعليمات.
كذلك، إن عدم وجود برامج ترفيهية جاذبة قادرة على إقناع جميع فئات الأسرة السعودية، ودفعهم إلى اتخاذ القرار الصائب بقضاء الإجازة في الداخل، يظل مشكلة أخرى؛ فالسياحة لم تعد مجرد مرافق سكنية ومناظر طبيعية، بل أصبحت صناعة متكاملة، تعتمد بشكل كبير على إبداع العنصر البشري؛ لذلك لا بد من وجود برامج شيقة، وغير تقليدية، تراعي تطور المفاهيم، والانفتاح الذي بات إحدى سمات العالم المعاصر، بدلاً من تكرار تقديم برامج فقدت بريقها، ولم تعد قادرة على جذب انتباه أحد؛ لأنها لم تستوعب أن العالم يتغير بسرعة مذهلة.
بلادنا -ولله الحمد- تمتاز بتنوُّع بيئي كبير، وتضم صحارى ذهبية، وسواحل خلابة، وجبالاً شاهقة، ومصائف معتدلة الأجواء، إضافة إلى مناطقها الدينية التي اختصها بها الله تعالى، وما تتمتع به من آثار فريدة، لا يوجد مثلها في دولة أخرى.. فقط نحتاج للتنظيم، وإعادة ترتيب الأوراق.