العلاج بالمعنى
العلاج بالمعنى أو كما یطلق علیه بعض المؤلفین "مدرسة فیینا الثالثة في العلاج النفسي" هو علاج یركز على معنى وجود الإنسان، وكذلك على بحث الإنسان عن مثل هذا المعنى، ووفقًا للعلاج بالمعنى فإن السعي إلى إیجاد معنى في حیاة المرء هو القوة التحفیزیة الأساسیة للإنسان، هكذا عرّفه المؤلف النمساوي د.فكتور إمیل فرانكل في كتابه "الإنسان والبحث عن المعنى"، وهو الناجي من قبضة الموت إبان الحروب النازیة على بلاده.
إن الحیاة أولًا لیست بحثًا عن المتعة كما یعتقد فروید، ولا بحثًا عن السلطة كما علمنا ألفريد أدلر، لكنها بحث عن المعنى، وهي مهمة عظیمة تتمثل في أن یجد الإنسان معنى في حیاته أو في طریقة عیشها، لذلك العلاج بالمعنى لا تُصرف فیه العقاقیر ولا غیرها، وإنما هو نظریة علاج تُوجه المریض إلى جعل هدف له في الحیاة؛ حتى یحیاها.
وهو لیس تعلیمًا ولا وعظًا، إنه بعید كل البعد عن التفكیر المنطقي، ولتوضیح الأمر في دور أخصائي العلاج بالمعنى، فقد شبّهه د.فرانكل بدور أخصائي العیون، ولیس بدور الرسام؛ فالرسام یحاول أن ینقل إلینا صورة العالم، ویحاول طبیب العیون أن یجعلنا نتمكن من رؤیة العالم كما هو في الواقع، ولكن بتوسیع المجال البصري للمریض وتوسیع نظره للحیاة.
ووفقًا للعلاج بالمعنى یمكننا اكتشاف هذا المعنى في الحیاة بـ3 طرق مختلفة؛ عن طریق ابتكار شغل أو القیام بعمل من خلال الشعور بشيء ما أو لقاء شخص ما، كذلك بالموقف الذي نتخذه تجاه المعاناة التي لا مفر منها، لذلك لا ینبغي للمرء أن یبحث عن معنى مجرّد فقط للحیاة! فلكل شخص وظیفته أو رسالته الخاصة في الحیاة، وعلیه القیام بمهمة ملموسة تتطلب الإنجاز في ذلك، وعلمًا بأنه لا یمكن استبدال الشخص، ولا یمكن تكرار حیاته، وبالتالي تكون مهمة كل فرد فریدة من نوعها بقدر ما تكون الفرصة التي تسنح له لتنفیذها.
لنأخذ على سبیل المثال قصة المرأة السوداء "أم محجن" التي كانت تقمّ مسجد رسول الله صلى الله علیه وسلم، فهي كانت تقوم بدورها ومهمتها في حدود بیئتها مصاحبة لهذا العمل بالإنجاز، ولدورها الفاعل في ذلك المجتمع افتقدها رسول الله، فأخبروه بموتها، فذهب وأقام الصلاة علیها؛ إكرامًا لها ولما قدمته، فلا یهم الحسب والنسب ولا اللون، كانت القیمة بما قدمته حتى وإن لم یشمل ذلك العمل كل مساجد المدینة.