حقبة أرتيمس... بدأت

تم النشر في

بعد أكثر من 10 سنوات من التطوير تم أخيرًا إطلاق نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس) التابع لوكالة ناسا، وهو أقوى صاروخ تم بناؤه حتى الآن، مما يشير إلى بداية مشوار عودة البشرية الذي طال انتظاره إلى القمر.

بينما تقرأ هذا المقال تحلق مركبة أورايون الفضائية إلى القمر رفيقنا السماوي وتسافر بعيدًا عن الأرض أكثر من أي كبسولة أخرى، ضمن مهمة تستغرق 26 يومًا بهدف إثبات أنها على أهبة الاستعداد لنقل رواد الفضاء، وعلى الرغم من عدم وجود رواد على متن مهمة (أرتيمس I)، إلا أنه يمكن القول إنها الأكثر أهمية من بين جميع مهام برنامج أرتيمس المخطط لها.

إن عودة البشر إلى القمر بحلول عام 2025 ليست فقط هي الهدف ولكن القفزة التالية ستكون إلى كوكب المريخ الذي قد يبدو حلمًا بعيد المنال.

إن ظهور عصر استكشاف الفضاء التجاري جعل من السهل نسيان مدى صعوبة اختبار صواريخ جديدة كونها مشاريع خاصة، فشركات مثل (بلو اوريغن) و(سبيس إكس) ليسوا ملزمين بنفس قيود الإنفاق العام مثل وكالات الفضاء كوكالة ناسا، لذلك بإمكانهم عمل الكثير من التجارب على الصواريخ وإن كانت ستفشل عدة مرات باسم التطور السريع.

لا يمكن لوكالة ناسا أن تتحمل مثل هذه المخاطر، وهذا هو السبب في أننا انتظرنا كل هذا الوقت الطويل للعودة إلى القمر ولكنه حلم تحقق أخيرًا.

لقد شاهد الجميع الإطلاق عبر البث المباشر لوكالة ناسا، وقد كانت لحظة هدير انطلاق نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس) في سماء الليل رائعة الجمال متبعًا خطى سلفه الصاروخ (ساترن 5) الأيقوني وهو يندفع في الهواء حاملاً، أمال وطموحات البشرية نحو عوالم جديدة، والبداية بالعودة إلى القمر وإنشاء مستعمرات لوجود بشري دائم هناك.

بقدر ما هي هذه اللحظة مثيرة فمن المهم أن نتذكر أن مهمة (أرتيمس I) هي في الأساس تجريبية واختبار كامل لنظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس) الذي يبلغ ارتفاعه 98 مترًا وكبسولة طاقم أوريون، لذلك ما زال العلماء في بداية الطريق وهناك الكثير لتحقيقه بعد الإطلاق الناجح.

فبدون إكمال مهمة (أرتيمس I) بنجاح لن تكون المركبة الفضائية آمنة لنقل الرواد وسوف تتقلص طموحات الاستكشاف المأهول لنظامنا الشمسي.

بالرغم من (أرتيمس I) هي مهمة اختباريه لذلك حتى لو واجهت أي عقبات فلن يكون هذا كارثيًا، فهناك متسع من الوقت لإصلاح المشكلات البسيطة من الآن وحتى رحلة (أرتيمس II) الرحلة التجريبية المأهولة المقرر حاليًا في عام 2024.

إذا نجحت المرحلة التمهيدية ففي غضون بضع سنوات فقط، فسيكون العالم على موعد مرة أخرى لكي يخطو الإنسان من جديد على سطح القمر ولكن هذه المرة سنشاهد ذلك بدقة عالية.

إن برنامج أرتيمس سيمكننا من استكشاف القمر بعد 50 عامًا من التقدم العلمي مما يسمح لنا بفهم تاريخ الأرض بشكل أفضل والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ القمر إلا أن برنامج أرتيمس يتمحور فعليًا حول الاستعداد لرحلة المريخ المأهولة.

لا يوجد حاليًا التكنولوجيا المطلوبة لإرسال رواد فضاء إلى المريخ ودعم الأنشطة على سطح الكوكب الأحمر، والأهم من ذلك إعادتهم إلى الأرض بأمان، إضافة لذلك يعد استخراج الموارد مثل الوقود والأكسجين وتخفيف المستويات الخطيرة من إشعاع الفضاء السحيق من أكثر المشاكل عند الحديث عن استكشاف المريخ.

إن القيام بمهمات بفترات طويلة إلى القمر تستمر لأسابيع أو شهور، تجعل العلماء يقومون بمحاكاة العديد من مخاطر استكشاف المريخ واستخدام البيئة القاسية لتطوير التقنيات اللازمة، لكن أولاً، يجب العودة إلى القمر، وهذا ما تدور حوله مهمات برنامج (أرتيمس) الثلاث الأولى، والتي سوف تتوج مع وصول الرواد إلى سطح القمر في موعد أقصاه عام 2025.

يتوقع أن تستمر مهمة (أرتيمس I) حوالي 26 يومًا لتدخل المدار القمري في اليوم العاشر والعودة إلى الأرض بدءًا من اليوم 16، وتهبط في النهاية في المحيط الهادئ، ومع ذلك، فإن هذا الجدول يعتمد على مدى جودة أداء صاروخ نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس) في رحلته الأولى، ويرغب مهندسو اختبارات النظام في متابعته. خلال مهمة (أرتيمس I) ستسافر المركبة الفضائية أورايون ما مجموعه حوالي 2.1 مليون كيلومتر، وتقطع 450،000 كيلومتر من الأرض، بما في ذلك 64،000 كيلومتر وراء الجانب البعيد من القمر.

إن كبسولة أورايون تنقل معها عشرة أقمار صناعية صغيرة (كيوبسات)، مع خطط لدراسة القمر أو التوجه إلى الفضاء السحيق، أحدها يسمى (كيوبسات لونار ايسكيوب) يهدف للبحث عن الماء على القمر، وآخر يسمى (بايو سينتينيل) سيستخدم لقياس تأثير إشعاع الفضاء السحيق على مدى فترات طويلة، وسيستخدم (إن إي أي سكوت) الأشرعة الشمسية للسفر إلى كويكب قريب من الأرض.

بالرغم من أن كبسولة أوريون لا تحمل رواد فضاء، فإن (ووحدة الخدمة) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية التي توفر الطاقة والدفع) لن تكون وحدها. هناك عدد من التذكارات، مثل الأعلام وبعض الدمى تشمل الشخصية الكرتونية (سنوبي) و(الخروف شون) والأهم من ذلك دمية في حجم الإنسان ترتدي بدلة برتقالية تسمى (نظام نجاة طاقم اورايون) التي يتم ارتداؤها أثناء الإطلاق والعودة إلى الأرض والمراحل الديناميكية الأخرى، لاختبار متانة البدلة ضد الإشعاعات.

كما سيتم تزويد مقعد قائد الرحلة بأجهزة استشعار لمراقبة التسارع والاهتزازات طوال المهمة، إلى جانب العشرات من أجهزة الاستشعار الأخرى الموجودة على الكبسولة نفسها.

هناك كذلك اثنتان من الدمى البشرية تسمى (هيلغا) و(زوهر) يتكونان من مواد تحاكي العظام البشرية والأنسجة الرخوة والأعضاء الأنثوية، لدراسة كيف يمكن أن تتأثر التشريحات المختلفة بالسفر في الفضاء السحيق (خاصة وأن مهمة أرتميس الثالثة ستضم أول امرأة على القمر). سيرتدي (زوهر) سترة الحماية من الإشعاع تسمى (استرو راد)، بينما لن يرتديها (هيلغا)، وسيقوم ما يقرب من 6000 جهاز استشعار بإبلاغ الباحثين عن تأثير إشعاع الفضاء السحيق على تلك الدمى.

إضافة لذلك سيستخدم المهندسون المهمة لتقييم أداء الكبسولة بشكل كامل بما في ذلك جميع الأنظمة من الإطلاق إلى المناورة والهبوط. تعتبر عودة الكبسولة أمرًا أساسيًا، حيث سيتم وضع الدرع الحراري للكبسولة تحت الاختبار عند تعرضه لدرجات حرارة 2800 درجة مئوية، وكذلك سيتم اختبار المظلات الرئيسية الثلاث عملاقة لدرجة أنها كافية لتغطية ملعب كرة قدم تقريبًا، وستعمل على إبطاء المركبة إلى 32 كيلومترًا بالساعة من أجل الهبوط.

#دائمًا_راقب_السماء

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org