رأس المال الفكري: قيادة التغيير وصناعة الأثر

تم النشر في

من شعار اليوم الوطني الـ93 "نحلم ونحقق"، انبثقت فكرة هذا المقال الذي نتناول فيه الابتكار كركيزة من ركائز التطور والنمو، تحمل قيمة سوقية مضافة تساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي، في ظل الحرص على وضع مخرجات الإبداع والابتكار في مساراتها الصحيحة بما يدفع باتجاه تحقيق مزيد من المكتسبات التنموية.

ففي ظل حصول المملكة على مراتب متقدمة في مؤشر الابتكار العالمي، وما أنجزته في مؤشر تنافسية مجموعة العشرين خاصة في التنافسية الرقمية؛ فإن من الأهمية بمكان أن تدفع المنظمات باتجاه العمل المنظم لتحفيز الابتكار والكشف عن الموهوبين باعتباره مطلبًا استراتيجيًّا في مسيرة التنمية المستدامة.

إن إدارة الموارد البشرية باحترافية وتطويرها وتحقيق القيمة الاقتصادية من خلالها، واحتضان المواهب وتشجيع ثقافة الأداء لديها خلال رحلتها نحو المستقبل، يشكّل أحد المرتكزات الفاعلة في مفهوم الإدارة الحديثة التي تستهدف تطوير رأس المال البشري، وتحسين العمليات في مختلف المنظمات، وتوجيه الأعمال واتخاذ القرارات، وفق مفاهيم ابتكارية، ولتصبح في ظل هذه الحراكات التنموية أحد الأذرع القوية لتحقيق مستهدفات الرؤية التنموية 2030.

من هنا، فإن إطلاق سمو ولي العهد الاستراتيجية الجديدة لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) التي تهدف إلى تحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات -في الأولويات الوطنية- ذات مردود اقتصادي؛ يؤكد الأبعاد المستهدفة من دلالات المزاوجة بين مخرجات البحوث العلمية ومستقبل الصناعة.

ومن هنا أيضًا ندرك القيمة السوقية لرأس المال الفكري الذي يعتبر من ممكنات التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ وهو ما يستدعي من كل المنظمات أن تولي جل اهتمامها للعقول المبدعة والأفكار المبتكرة من خلال الاستثمار في تنمية التعليم، وتحفيز الابتكار، وتطوير التقنية والبحث العلمي، بتكثيف البرامج وورش العمل المتخصصة وتقديم الجوائز الخاصة بالابتكار، مع عناية تلك المنظمات بابتعاث الموهوبين، وتكريم رواد الأعمال المبدعين، وإقامة الملتقيات التي تجمعهم بالمستثمرين والجهات المهتمة بالابتكار محليًّا وعالميًّا، مع الحرص على متابعة أفضل التجارب والممارسات العالمية في هذا الجانب، بما يحقق نموًّا في الأعمال وصناعة مستقبل مزدهر لمختلف تلك المنظمات، وتقديم المنتجات التي تتجانس فيها العقول الخلاقة مع نتائج الأبحاث والتجارب.

إن استقطاب ورعاية المواهب، واستحداث برامج ومساقات (رعوية داعمة) تستهدفهم، وإنشاء قاعدة بيانات لهم؛ هو أحد الرهانات الهامة في صناعة المستقبل، خاصة في منظمات قطاع الأعمال التي تستطيع من خلال شراكاتها المحلية والعالمية تطوير منتجات مبتكرة بميزات تنافسية تساهم في تحسين جودة الحياة والارتقاء بالأنماط المعيشية.

ولعل الجهود المشتركة التي تبذلها وزارة التعليم ومؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع (موهبة)، من خلال البرنامج الوطني للكشف عن الموهوبين، في المدارس، إضافة إلى التعاون المثمر بين (موهبة) وبعض الشركات العريقة كـ(سابك)؛ يجسد الحرص على تعظيم الجهود الوطنية لتعزيز مهارات البحث العلمي وتنمية روح الإبداع والابتكار لدى قيادات المستقبل التي تشكل إسهاماتها محاور أساسية للتنمية والازدهار الاقتصادي.

وهذا ينادي بضرورة تكريس التعاون بين مختلف المؤسسات التعليمية ومنظمات قطاع الأعمال؛ للاضطلاع بمسؤولياتها المجتمعية من خلال تمويلها الكراسي العلمية الجامعية لتشجيع الأبحاث والمشاريع المبتكرة وتوسيع برامج الابتعاث.. إضافة إلى ضرورة تنظيم تلك المنظمات أو رعايتها للفعاليات الخاصة بالابتكار؛ كـ(منتدى مسك العالمي)، و(هاكاثون تطوير البرمجيات المبتكرة) في ظل الأدوار المحورية للهاكاثونات ومسرعات الأعمال في تحفيز أصحاب العقول النيرة لتبادل المهارات والخبرات، وبدء مشاريعهم الإبداعية التي تحلق في آفاق (قيادة التغيير وصناعة الأثر).

وأمام ذلك كله فقد كان لمنظمات القطاع غير الربحي حضور بالغ الأهمية في برامج التمكين واحتضان القدرات والمواهب، ولعلنا نستحضر هنا دور جمعية البر بجدة وتجاربها الملهمة في اكتشاف المواهب واحتضان الإبداعات وتنميتها وتطوير قدراتها من خلال عدد من البرامج المقدمة في دور الضيافة التابعة للجمعية المخصصة لأبنائها من الأيتام، والتي برز من بينها برنامج (الإعداد للمستقبل المهني) الذي يتم من خلاله رصد نقاط التميز والموهبة لدى الأيتام عبر تحديد الميول إن كانت مهنية أو علمية أو إدارية، إضافة إلى رصد المواهب الرياضية خلال الأنشطة المقامة وتنميتها، والتي تمخض عنها اكتشاف العديد من القدرات لدى أبناء الجمعية ورعايتها؛ منها على سبيل المثال رصد القدرات المتميزة والمواهب الرياضية لدى ابن الجمعية حسن حضريتي الذي حصل على 3 ميداليات ذهبية في ألعاب القوى بتسجيله المركز الأول عالميًّا.

إن صناعة الموهبة تقتضي الكشف المبكر عن القدرات والمهارات التي يملكونها سواء تلكم القدرات العقلية أو العلمية أو الإبداعية المستندة إلى (التفكير الإنتاجي)، أو حتى المهارات القيادية والمهارات البصرية الأدائية، وهذا يستدعي توفير البيئة التعليمية الملائمة لتنمية قدراتهم وإطلاق طاقاتهم، والإتقان المعرفي للخصائص والسمات التي تساعد في الكشف عنهم، والمساهمة في دعم المبادرات الإبداعية المقدمة منهم بما يحقق استدامتها ونموها..

كما يستدعي ذلك العملَ المستمر على تمكين الشباب تقنيًّا ومعلوماتيًّا، والتركيز على الاستثمار في المشاريع المعاصرة المرتبطة بصناعة المستقبل من خلال العلوم والتقنية، كالروبوتات والحلول الذكية والأمن السيبراني، واكتشاف الفضاء، وعلوم البحار، وغيرها الكثير، مع توظيف إمكاناتهم وتعزيز التبادل المعرفي والعلمي بينهم، في ظل التحولات الكبرى المتناغمة مع رؤية المملكة 2030 والتي تتطلب تهيئة جيل مبدع قادر على خوض غمار المستقبل وتجاوز التحديات الاستثنائية التي تواجهه بحلول مبتكرة.

لقد بدأت المسيرة، مع إطلاق الرؤية التنموية 2030، وقطعت مسافات طويلةً، وما زال الأمل يحدونا في تحقيق المزيد، في ظل توفر الإمكانات، واتساع الطموحات، والتعاطي الفاعل مع المواهب والقدرات.. والله الموفق.

المستشار الإعلامي لجمعية البر بجدة

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org