الذكاء الاصطناعي ومتلازمة الهواجس والشكوك..!

تم النشر في

يدور جدل كبير في الوقت الحالي حول الذكاء الاصطناعي، وما يمكن أن يُحدثه التوسع المتواصل في هذا المجال على مستقبل البشرية.. ففي الوقت الذي يشير فيه البعض إلى المكاسب التي حققها الإنسان من هذه التطبيقات الحديثة، وما يمكن أن يحصل عليه مستقبلاً، فإن هناك من يتوجسون مما يمكن أن يحدث مستقبلاً من سوء استخدام قد يهدد الحياة على وجه الأرض، ويقود الجنس البشري نحو الفناء التام.

بطبيعة الحال، الإنسان بطبعه يخاف من مثل هذه التطورات التقنية المتقدمة، ولاسيما إذا كان تأثيرها يشمل جوانب الحياة كافة كما هو الحال مع الذكاء الاصطناعي الذي وصلت مخرجاته إلى درجة قيادة السيارة، إضافة إلى ما يتم تداوله من تجارب تُجرى لصناعة جيوش عسكرية من الروبوتات، تتولى نيابة عنا إدارة المعارك والقتال، وكأننا نتمسك بنقل مساوئنا وشرورنا لهذه الأجهزة، في الوقت الذي كان فيه بإمكاننا أن نُسخِّر جهودنا للاستفادة منها فيما يساعدنا على تحقيق التنمية والازدهار.

أيًّا كانت وجهات النظر، لكن مما لا شك فيه هو أن وجود مخرجات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تشكل نقلة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، مثل المساعدة على إيجاد علاج للأمراض المستعصية التي تهدد حياتنا، مثل السرطان، وإجراء العمليات الجراحية المعقدة عبر الروبوتات بدرجة عالية من الدقة والكفاءة، وتطوير الزراعة التي كانت في السابق تحتاج إلى أراضٍ خصبة شاسعة، وكميات كبيرة من المياه، وهو ما لا يتوافر في كثير من الدول؛ إذ أصبحت تتم في مزارع محمية، يمكن إنشاؤها داخل المنازل وبكميات قليلة من المياه، إلى آخر تلك الاستخدامات المفيدة التي لا يمكن حصرها في مثل هذه المساحة.

وفي المقابل، هناك استخدامات أخرى سلبية لمنتجات الذكاء الاصطناعي، مثل التجسس على الآخرين، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير أسلحة الدمار الشامل، وزيادة معدلات البطالة.. وغير ذلك مما لا خلاف على مساوئه.

إذن، ما هو الحل؟ وكيف نتعامل مع الأمر؟ شخصيًّا أرى أن هذه المنتجات أصبحت واقعًا لا يمكن إنكاره أو تجاوزه، بل ينبغي التعامل معها وفق القاعدة الشهيرة (حسنها حسن وقبيحها قبيح)، أي التركيز على كيفية الاستفادة مما يأخذ بأيدينا نحو مزيد من التقدم، والتغاضي عما سوى ذلك من استخدامات سلبية، مع الحرص على التأكد من أن تطوير المنتجات التقنية يتم من خلال نهج إنساني، يراعي القيم وحقوق الإنسان وأخلاقيات العلوم والتكنولوجيا.

ربما يرى البعض صعوبة في تحقيق ذلك بحكم أننا جزء من هذا العالم الكبير؛ نتأثر به ونؤثر فيه. وهذه حقيقة، لكن لنا عبرة في حالات كثيرة مشابهة؛ فعندما ظهرت القنوات الفضائية أواخر القرن الماضي توقَّع الكثيرون حدوث مشكلات كثيرة، وامتنعوا عن تركيب "الدشوش"، لكنها أصبحت في سنوات قلائل جزءًا أساسيًّا من حياتنا بعد أن أحسنَّا استخدامها.

كذلك أشاع الجوال "أبو كاميرا" المخاوف؛ ورفض كثيرون اقتناءه، وكانت معظم قاعات الأفراح وأماكن التجمعات تشترط عدم الدخول به.. وكل هذا أصبح جزءًا من الماضي، ويثير الدهشة.

أما المخاوف من هيمنة الآلة، وتقليل فرص العمل، وتحويل البشر إلى عاطلين، فلا أرى أنها مبررة؛ فعلى الرغم من التوجه نحو أتمتة بعض المهن إلا أن هذا التطور التكنولوجي – كما يشير كثير من المختصين – سوف يسهم في إيجاد عدد كبير من الوظائف الجديدة المرتبطة بالتطبيقات التكنولوجية والبرمجة وعلوم الكمبيوتر والأمن الرقمي.

كذلك فإن الإنسان سيواصل البحث عن إيجاد وظائف بديلة ومتجددة؛ ولاسيما في ظل تزايد الفرص الاستثمارية الجاذبة في العالم.

هذه هي مخرجات العولمة التي جعلت العالم كله قرية صغيرة، كما يقولون، وهي مثل قطار يسير بسرعة مذهلة، لا يتيح لنا خيارًا سوى الركوب، وعرض منتجنا الحضاري والثقافي، وأن نأخذ أفضل ما لدى الآخرين، ونترك ما يتصادم مع ثوابتنا وقيمنا وأخلاقنا.

أما المتوجسون والمترددون، الذين يحاولون اعتراض طريق القطار، والوقوف أمامه، فسوف يدهسهم لا محالة.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org