نار الحقد تُزلزل حارقي المصاحف
ألمٌ كبير شعر به المسلمون في الدول كافة خلال الأسبوع الماضي بعد إقدام السويدي راسموس بالودان، زعيم حزب "الخط المتشدد" اليميني المتطرف، على إحراق نسخة من المصحف في مدينة ستوكهولم. ولم تمضِ سوى أيام قلائل حتى قام متطرف آخر هولندي، يتبع لحركة "بيغيدا" المناوئة للمسلمين، بتمزيق المصحف في مدينة لاهاي. وهي تصرفات أثارت حفيظة المسلمين، ودفعت العديد من الدول والمؤسسات إلى اتخاذ ردود أفعال متباينة، تفاوتت بين الرفض والدعوة إلى مقاطعة السلع الهولندية والسويدية، إضافة إلى خروج مظاهرات حاشدة في عدد من الدول.
وبالرغم من مقدار الألم والضرر النفسي الذي وقع لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم، ومقدار الحزن الذي شعروا به لمحاولة الانتقاص من كتابهم المقدس، إلا أن الحكمة تقتضي التعامل بعقلانية مع تلك التصرفات الهمجية وغير المسؤولة، وعدم الوقوع في الفخ الذي ينصبه لهم الآخرون للقيام بأعمال عنف، يروح ضحيتها أبرياء، وتسهم في ترسيخ الصورة السالبة عن المسلمين، وتقدمهم للعالم على أنهم إرهابيون.
ربما يتساءل كثيرون عن الهدف من إقدام أولئك المتطرفين على حرق المصحف، أو بث رسومات كاريكاتورية تسخر من النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما حدث في مرات سابقة؛ لأن إحراق نسخة لا يعني القضاء على القرآن الكريم أو إزالته من الوجود، والاستهزاء بسيد الوجود لم يقلل من محبته.
والجواب يكمن في أنها مجرد خطوة عدائية، يهدف من يقومون بها إلى غايات كثيرة، في مقدمتها تحقيق دعاية انتخابية، واستمالة الناخبين المناوئين للمهاجرين واللاجئين في الغرب، إضافة إلى استفزاز المسلمين، ودفعهم للقيام بأعمال غير محسوبة العواقب؛ لممارسة المزيد من التضييق بحقهم.
كذلك فإن بعض الحكومات الغربية تغض الطرف -للأسف- عن هذه التجاوزات، وترفض القيام بخطوات ملموسة، توقف تزايد الإساءات الموجهة للإسلام؛ وذلك مراعاة لأجندات حزبية، رغم التقيد بحرية التعبير وعدم القدرة على منع الناس من التعبير عن آرائهم. وهي حجج واهية، لا يقتنع بها عاقل، وتؤكد عدم القدرة على التمييز بين الحق الإنساني في الحرية، والجريمة في حق الإنسانية باسم حماية الحريات.
فلو أقدم أي شخص على إنكار المحرقة اليهودية، أو توجيه الانتقاد للمثليين، لتم اعتقاله فورًا، وتمت محاصرته بالعديد من الاتهامات التي تقذف به وراء قضبان السجون سنوات طويلة.
وقد نبهت العديد من الدول العربية والإسلامية لخطورة هذه التصرفات غير المسؤولة، ودعت الدول الغربية لإصدار قوانين تجرم الإساءة للأديان؛ لأنها المبرر الرئيسي الذي تستغله المنظمات الإرهابية وجماعات العنف والتطرف التي تزعم أن ما تقوم به هو دفاع عن الإسلام والمسلمين المضطهدين في بلاد الغرب.
إذن، كيف يتم التعامل مع هذه الإساءات؟ وكيف ندافع عن ديننا ونبينا؟ الإجابة واضحة، وهي ضرورة التقيد بالقانون، واتباع القنوات الدبلوماسية. فعلى المستوى الرسمي يمكن لحكومات الدول الإسلامية تنسيق التوجه للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وغيرهما من المؤسسات التي تحكم المجتمع الدولي، بمشروع قانون يجرم الإساءة للأديان والرموز والمقدسات.
أما على صعيد منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإسلامية فيتوجب إقامة العديد من المؤتمرات والندوات في الدول الغربية؛ للتعريف بحقيقة الدين الإسلامي وتعاليم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتفنيد الشبهات والاتهامات التي توجَّه للإسلام، ونفي الصلة بينه وبين الإرهاب، على أن يتم ذلك الجهد بلغة مقبولة لدى الآخرين وبعيدًا عن التهجم وتبادل الاتهامات، وأن يقوم بذلك علماء على دراية بطبائع الغربيين ولغاتهم وعاداتهم.
وعلينا كأفراد أن نُظهر مقدار تمسكنا بديننا وحبنا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- من خلال التمسك بوسطية الدين، وعدم الوقوع في مستنقع الكراهية والعنف الذي يقود إلى الانفلات من كل القيم الإنسانية والحضارية. وعلينا أن لا نقلق؛ فالله تعالى تكفل بحفظ كتابه المجيد عندما قال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، كما واسى نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- عندما تعرَّض له كفار قريش بإشاعاتهم المغرضة، وخاطبه بقوله {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}. فهل هناك أكثر من هذا حفظًا وصيانة؟