أفكار مسروقة وجهود في مهب الريح

تُمثّل الملكية الفكرية إحدى أكثر القضايا إلحاحًا في عالمنا المعاصر؛ لارتباطها الوثيق بالاقتصاد القائم على الابتكار والمعرفة.. فالأفكار الإبداعية هي نتاج أذهان متقدة، وعقول متفتحة، ولم تخرج إلى النور إلا بعد سنوات من الكد والتفكير والعصف الذهني الواسع، الذي يتطلب من أصحابه بذل مقدار كبير من الجهد.

وقد ينظر البعض إلى هذا الأمر بعدم أهمية بالرغم من أنه في الحقيقة يرتبط بالواقع المعاش.. فكم من شخص قضى الليالي الطويلة وهو يجرب ويبحث حتى اهتدى إلى فكرة خلاقة، لكنه يُفاجَأ قبل أن يجني ثمار تعبه وجهده بأن هناك مَن سطا على فكرته، ونسبها لنفسه. وكم من أديب سهر حتى الفجر وهو يكتب وينقح ويعدل، لكن هناك مَن سرق إنتاجه، وسجله باسمه.

كذلك فإن الجامعات ومراكز الدراسات تنفق ميزانيات ضخمة لدعم الأبحاث العلمية، ولكنها تكتفي بعد التوصل للنتائج المطلوبة وتسجيل براءات الاختراع بحفظها في السجلات والأوراق دون تحويلها إلى منتجات، يكون لها تأثير على حياة البشر، وتحقق في الوقت ذاته عائدات مالية، تسهم في تمويل المزيد من البحوث العلمية.

وبالرغم من أن لدينا في السعودية العديد من المواهب الوطنية التي استطاعت الحصول على براءات اختراع، تم تسجيلها بأسمائها، لكننا -للأسف- لم نرَ في واقع حياتنا نتائج تلك الاكتشافات العلمية، وهو ما يمثل إهدارًا لأغلى الثروات، وهي الثروة الفكرية والعقلية.

هناك جانب آخر بالغ الأهمية لتعزيز الملكية الفكرية، يتمثل في حماية المستهلك، وضمان سلامته، وحفظ حقوق المنتجين، وذلك بمكافحة الغش التجاري، والتصدي للسلع والمنتجات المقلدة، والتقيد بالمواصفات والمقاييس العالمية، والتصدي لجرائم التعدي على حقوق المنتجين التي تقوم بها كثير من المؤسسات لتضليل المستهلك واستدراجه للوقوع في فخ التقليد.

فالكثير من المنشآت التي تلتزم بمعايير الجودة والمواصفات المعتمدة، وحققت سمعة طيبة ورصيدًا إيجابيًّا وسط المستهلكين، تتعرض لمنافسة غير عادلة مع شركات ومؤسسات مجهولة، تقوم بإنتاج سلع وكماليات مشابهة، ولكنها رديئة النوعية، وبأسعار متدنية؛ وبذلك تتكبد هذه المؤسسات خسائر فادحة بضياع ما أنفقته خلال سنوات طويلة من أموال وجهود، كما أن تلك السلع لها تأثير سلبي كبير على صحة المستهلكين، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن معظمها يتعلق بالعقاقير الطبية ومستحضرات التجميل.

خلال الأسبوع الماضي لفت نظري حدث في غاية الأهمية، يتمثل في إطلاق ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الاستراتيجية الجديدة لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، التي تهدف إلى تحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي، وتشجيع الاستثمار التجاري؛ وهو ما سوف ينعش -بدون شك- بيئة البحث العلمي، ويبعث برسالة طمأنة للمبدعين والمبتكرين بأن جهودهم لن تضيع سدى، وأن مجهوداتهم سوف تجد التقدير المالي اللائق الذي يحفزهم على المزيد من العمل والإبداع؛ لذلك فإن المطلوب هو تركيز هذه الأبحاث في البداية على ما نحتاج إليه في بيئاتنا المحلية، وما يرتبط بمعاشنا، ويتعلق باهتماماتنا المتمثلة في صحة الإنسان، واستدامة البيئة، والطاقة المتجددة، مع الاهتمام بعقد شراكات مع الجامعات ومراكز الأبحاث العريقة في العالم، وإشراك القطاع الخاص في هذه العملية، وأن تحذو بقية الجامعات هذا النهج، وتستفيد من الكراسي العلمية العديدة المخصصة لهذا الجانب بدلاً من الاكتفاء بأن يظل جهدًا نخبويًّا، يتم حفظه في الأوراق والدفاتر.

ومثلما نفتخر بمشاهدة صناعات سعودية متميزة فإننا نأمل أن يأتي علينا اليوم الذي نرى فيه منتجات حصرية، أبدعتها عقول وأنامل وطنية. ولا أظن أن هناك ما ينقصنا في هذا الجانب؛ فالعقول النيرة موجودة، والكوادر والمواهب متوافرة بحمد الله، إضافة إلى وجود قيادة رشيدة، لم تبخل يومًا على أبنائها بكل ما يدعمهم ويوصلهم إلى مصاف العالمية.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org