في الأوقات الصعبة.. ما الذي يحتاجه القلب فعلاً؟
في الأوقات الصعبة، لا نبحث عن كلمات تُصلح ما لا يُصلح، ولا عن حلول سريعة تُخفّف وجع القلب. كل ما نحتاجه هو يد تربّت على أكتافنا دون سؤال، وعين تقول: أنا هنا لأجلك. فالدعم العاطفي ليس هدية مغلّفة بالنصائح، بل هو دفء حضور صادق، وصبر على صمت الآخر حين يعجز عن الكلام. هو تلك القدرة على احتضان المشاعر بكل أشكالها، دون استعجال لتغييرها أو إنكارها. وحين نمنح هذا النوع من الدعم، نكون كأننا نضيء شمعة صغيرة في عتمة شخص آخر، لا لنُبصر طريقه بدلاً عنه، بل لنعينه على رؤية النور حين تعجز عيناه عن ذلك.
في علم النفس، يُعرَّف الدعم العاطفي بأنه قدرة الشخص على منح من حوله شعوراً بالأمان، التقدير، والتفهم دون أحكام. وتشير الدراسات إلى أن وجود شخص يصغي بصدق، ويمنح كلمات بسيطة من الاحتواء، يمكن أن يخفّف من مستويات التوتر والقلق بشكل ملحوظ. كما تشير بعض الأبحاث إلى أن الحصول على دعم عاطفي يقلّل من مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول)، ويساعد الجسم على العودة إلى حالة التوازن النفسي والذهني. كما أن وجود شخص يمنحنا شعوراً بالأمان والقبول يعزز من استجابات الجهاز العصبي المسؤولة عن الهدوء، مما يجعلنا أكثر قدرة على التفكير بوضوح وتجاوز الضغوط. ولا يقتصر هذا الأثر على الصحة النفسية فقط، بل يمتد ليحمي الجسد أيضاً. فوجود شبكة دعم من الأصدقاء أو العائلة يساعد على خفض التوتر وضبط استجابات الجسم للضغط النفسي، مما يقلّل من المخاطر الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكتات القلبية المفاجئة، حتى لدى فئة الشباب.
الدعم العاطفي الحقيقي لا ينتهي عند كلمة مواساة أو لحظة تعاطف عابرة، بل يُقاس بقدرتنا على البقاء بجانب من نحب في أوقات الصمت الطويلة، وفي الأيام التي يبدو فيها الألم أكبر من الكلام. الاستمرار هنا لا يعني تواجداً يومياً مرهقاً، بل شعوراً ثابتاً بأننا موجودون متى احتاجنا الآخر، وأن دفء العلاقة لا يتأثر بتقلب مزاجه أو بطول أزمته. وأحياناً، يكون الدعم العاطفي في أبسط التفاصيل؛ رسالة قصيرة تقول: أتذكرك، أو كوب قهوة يصل في لحظة إرهاق، أو هدية صغيرة لا تُقاس بثمنها بقدر ما تُقاس بما تحمله من شعور: أنت لست وحدك. وأظهرت إحدى الدراسات أن الهدايا قد تكون أكثر فعالية من المحادثات في دعم التعافي العاطفي، لأنها تشير إلى تركيزنا على الشخص المتلقي وتعزز شعوره بالدعم الاجتماعي. كما أن المفاجآت الصغيرة بعد حدث سلبي تُعد وسيلة تشتيت مرغوبة، تخفف من وطأة الألم وتعيد له إحساس الدفء.
وفي كثير من الأحيان، يكون الصمت أبلغ من أي كلمات. الإصغاء الحقيقي، ذلك الذي ينشغل فيه القلب قبل الأذن، هو أحد أقوى أشكال الدعم العاطفي. يكفي أن نشعر من أمامنا بأننا نراه ونفهم مشاعره دون استعجال لإعطائه النصائح أو مقاطعته. حتى لغة الجسد .. نظرة دافئة، أو إيماءة خفيفة تدل على الاهتمام.. قد تكون أكثر تأثيراً من أي محاولة لشرح أو تبرير ما يشعر به.
لكن أحياناً، وبحسن نية، نقع في أخطاء تجرح بدل أن تواسي، مثل التقليل من مشاعر الآخر بعبارات مثل: "الأمر ليس بهذا السوء" أو محاولة دفعه لتجاوز ما يشعر به بسرعة. كما أن تقديم النصائح قبل الإصغاء قد يجعل الشخص يشعر بأنه غير مفهوم أو أن مشاعره غير مبررة. الدعم العاطفي لا يحتاج إلى حلول سريعة، بل إلى مساحة آمنة نسمح فيها للآخر أن يكون كما هو، بمشاعره وانفعاله، دون محاولة إصلاحه.
وتوضح بعض الدراسات في سيكولوجية الفروق بين الجنسين أن طريقة استقبال الدعم قد تختلف بين الأفراد، بما في ذلك بين الرجال والنساء، نتيجة اختلاف التجارب والتوقعات الاجتماعية أكثر من كونها فروقاً جوهرية. فبعض النساء يميلن إلى الشعور بالراحة حين يُتاح لهن التعبير عن مشاعرهن والحصول على إصغاء وتعاطف، بينما يفضّل بعض الرجال دعماً عملياً، مثل تقديم خطوات واضحة أو مساعدة في ترتيب الأولويات. هذه الملاحظات ليست قاعدة عامة، وإنما أنماط قد تُلاحظ أحياناً، ويبقى الأساس هو فهم الشخص أمامنا، وإدراك ما يناسبه بشكل فردي بعيداً عن أي أحكام مسبقة.
أحياناً، يكفي أن نكون هناك، بلا خطط أو نصائح، فقط حضور صادق يترك أثره العميق. فكل واحدٍ منّا يمر بلحظات يحتاج فيها إلى قلب يسمعه أكثر من عقل يوجّهه. قد تكون رسالة قصيرة، نظرة صافية، أو حتى صمتٌ يهمس: أنا هنا لأجلك. كونوا هذا الأمان الذي يخفف ثقل الأيام، فالدعم العاطفي الذي تمنحونه اليوم قد يعود إليكم غداً بطريقة أجمل وأعمق مما تتخيلون.