بالكفاية تبقى وتدوم

أنعم الله علينا بنِعَم كثيرة، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأكرمنا بالعديد من المزايا التي لا نكاد نذكرها أو نستشعر قيمتها؛ لأننا اعتدنا عليها، ونظن أنها دائمة ولن تزول، وما إن نمرُّ بموقف نشعر فيه باحتمال زوالها حتى يداهمنا الخوف؛ لأن الإنسان كما قال تعالى {خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا}؛ لذلك عندما يصاب بمرض، ويفقد صحته، أو ماله، أو أحد أحبابه.. يدرك مدى تأثير النعمة التي كانت لديه.

تلك النعم ليست بالضرورة أن تكون مادية أو قصورًا فاخرة، وسيارات فارهة، أو أرصدة بالملايين في البنوك.. فالبصر نعمة لا تدانيها كل كنوز الدنيا ومغرياتها؛ لأن مَن فقد هذه الحاسة الأساسية لا يستطيع أن يرى جمال ما حوله. كذلك فإن امتلاك الإنسان منزلاً يؤويه، وإن كان كوخًا، هو سبب كافٍ للإحساس بالأمان.. وكوب الماء البارد نعمة، وصحن الطعام الدافئ نعمة، وكذلك العائلة المحبة، والأصدقاء الداعمون.

ومن أكبر النعم الدنيوية التي يمتلكها الإنسان الصحة؛ فكم من غني يملك أموالاً طائلة، لا يدري ماذا يفعل بها؛ لعدم قدرته على التمتع بها؛ لذلك قال أحد الحكماء "إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى".

هذه النعم الكثيرة التي تحيط بنا تستلزم شكر الله عليها؛ لأنها بذلك تدوم، وبالجحود والنكران تزول.

فعلينا أن نخصص ولو دقيقة يوميًّا لنستشعر ما أكرمنا به خالقنا العظيم؛ لنشكره عليه، فإذا ما فعلنا ذلك فإننا لن نتبرم، ولن نتضايق عندما نفقد إحدى تلك النعم؛ لأن لدينا غيرها، وسندرك حينها أن ربنا الكريم منحنا إياها إكرامًا لنا، ليس لأننا نستحقها، ولكن لأنه كريم وجواد.

ومع أهمية تلك النعم في حياتنا إلا أن البعض منا لا يتعامل معها بالصورة التي تجسد شكرها.. فالعقل الذي هو أكبر وأعظم النعم يلجأ البعض لتعاطي المخدرات والمسكرات التي تهدده!

ومن المؤسف ونحن في شهر رمضان أن نشاهد ما يحدث من تبذير وإسراف، يؤكد أننا نبتعد عن روحانية الشهر الفضيل؛ إذ نتعامل معه وكأنه موسم للتخمة والأكل، وليس للعبادة وتحصيل الحسنات!!

فمن حكمة مشروعية الصوم أن نتأمل نِعَم الله لنشكره عليها.

خلال الأيام الماضية اطلعتُ على تقرير، أصدره البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء، أوضح أن السعودية تتصدر دول العالم في هدر الغذاء بمقدار 40 مليار ريال سنويًّا، عبارة عن بقايا طعام صالحة للاستهلاك، تُرمى في مكبات النفايات؛ بسبب الإسراف في إعداد كميات من الطعام، تزيد على الحاجة الفعلية.

ومن المحزن أن هذه الممارسة التي تتنافى مع قواعد الإسلام تزداد بصورة واضحة في شهر رمضان الكريم؛ فموائدنا تمتلئ يوميًّا بأصناف متعددة من المأكولات والمشروبات، يكون مصير غالبيتها في نهاية اليوم صناديق النفايات؛ لذلك ما أحوجنا إلى أن نتذكر نعم الله علينا، وأن نتوقف عن تلك العادة الضارة، ونراجع أنفسنا، ونحمد الله تعالى على ما وهبنا إياه، مع الأخذ في الاعتبار أن مسؤوليتنا لا تقتصر على مجرد تصرفاتنا، بل نحن مسؤولون عن أبنائنا، وتعويدهم على الأخلاق الفاضلة، وأن نكون قدوات صالحة لهم؛ لأنهم يتأثرون بما يرونه في منازلهم، ويحتفظون بما تعلموه من والديهم.

وأخص أخواتي ربات البيوت بالقول إن رمضان هو موسم للخير والطاعات، وليس للأكل وملء البطون، بل إن الله جعله فرصة لنا كي نتذكر من خلال الجوع والعطش إخواننا المحتاجين الذين لا يجدون طيلة العام ما يسد رمقهم ويكفي حاجتهم، ومن ثَمَّ التفاعل معهم ومساعدتهم صونا للنعمة، وحفظًا لها من الزوال.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org