مثل الضوء يسطع في غمرة الظلام، والغيث ينزل وسط القحط والجدب، برز الملك المؤسس المغفور له -بإذن الله- عبدالعزيز آل سعود حاملاً راية التوحيد، ورافعًا شعار العز والفخار، معلنًا انتهاء عهود الفوضى في شبه الجزيرة العربية، داعيًا المخلصين إلى الانضمام لقواته المظفرة لتوحيد الصفوف؛ فتدافع الأخيار والكرام من كل حدب وصوب، وانضووا تحت رايته، وارتضوه قائدًا لهم، وبايعوه ملكًا عليهم بعد أن آمنوا بصدق دعوته، ونقاء سريرته، وحقيقة أهدافه.
انطلقت جيوش الحق وهي تدك قلاع الظلم، وتطارد دعاة الفرقة والتشرذم، الذين تسببوا في تردي الأوضاع الاقتصادية وانعدام الأمن في بلاد الحرمين وجزيرة العرب.. وتحقق لها ما كانت تنشده، وشهد العالم في صبيحة الحادي والعشرين من جمادى الأولى 1351هـ إعلان ميلاد المملكة العربية السعودية دولة مستقلة ذات سيادة.
لم يمضِ وقت طويل حتى انطلقت الدولة الجديدة في فضاءات النهضة والتطور بعد أن استكملت ترتيب أوضاعها الداخلية، واستتب لها الأمن، وعم الاستقرار، وانزاح الخوف من الصدور. وما هي إلا سنوات قلائل حتى بدأت السعودية تشق طريقها بقوة نحو التطور والنماء؛ فحجزت لها مكانًا بين الدول المتقدمة، وباتت في وقت قياسي في مقدمة دول المنطقة والعالم التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهل رأيها بحال من الأحوال.
بعد وفاته -رحمه الله- جاء أبناؤه الملوك البررة الكرام (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله-) فمضوا على النهج ذاته الذي اختاره والدهم، وساروا على طريقه نفسه، وبذلوا من الجهود ما كانت نتيجته واضحة للعيان، وهي هذه الدولة الفتية التي باتت مثالاً حيًّا على ما يمكن أن تحققه القيادة الرشيدة لشعبها من تطور ونماء ورفعة.
تسلَّم الراية من بعدهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– فانتقلت السعودية في سنوات قلائل إلى مرحلة جديدة من تاريخها، تستشرف فيها المستقبل بكل طموح، وتتطلع لتطوير واقعها، ومضاعفة مكتسباتها.. فشهدت نهضة غير مسبوقة على المجالات كافة، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وباتت كأنها تسابق الزمن نحو القمة والعلياء.
ما تشهده بلادنا في هذا العهد الزاهر على ضوء رؤية السعودية 2030، التي يقف وراءها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –حفظه الله-، هو ملحمة متكاملة؛ فالنهضة تنطلق في جميع المناطق والمدن بدون استثناء، والتطور يشهد جميع الميادين ومجالات الحياة.. فرأينا تمكين المرأة ومساعدتها على الانطلاق في سماوات العمل والإنجاز، وتمكين الشباب السعودي، وترقية مقدراته، وزيادة مهاراته، وتنويع الاقتصاد، وزيادة مصادر الدخل، واستكمال المنظومة التشريعية، وتحديث المجتمع، وتطوير الجامعات، ومحاربة الفساد.. وغير ذلك من أوجه التطور والازدهار.
التهنئة أرفعها صادقة لمقام خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وللأسرة المالكة الكريمة، والشعب السعودي النبيل، متمنيًا من الله أن يعيد المناسبة علينا ونحن نواصل السير في طريق العزة والشموخ، ونقدم مثالاً حيًّا للعالم أجمع بأن الإنسان السعودي قادر على تحقيق تطلعاته وتلبية رغباته.
ولأن مثل هذه المساحة لن تكفي بطبيعة الحال لحصر الجهود والمكتسبات، فإنني أكتفي بالتذكير بضرورة انتهاز هذه المناسبة السعيدة لزيادة وحدتنا الوطنية، وترجمة الفرح إلى تصرفات حقيقية، نؤكد فيها الانتماء لهذه البلاد الطاهرة، ونُجسِّد أبلغ معاني الشكر لقيادتنا الحكيمة عبر الولاء والطاعة؛ فهي جديرة بذلك، وتستحقه نظير ما بذلته من جهود لترقية واقع شعبها، وتحسين معيشته.