تعتبر الأرشفة عملاً مهماً لتوثيق النشاطات والأحداث التي تقوم بها قطاعات الأعمال أو حتى الأفراد، وتبرز أهميتها في: تدوين الأعمال، ورصد الأحداث، وحفظ التواريخ، من أول يوم تبدأ فيه الجهة أو الفرد القيام بأعمالهم، وتواجه الكثير من قطاعات الأعمال مشاكل متعددة في موضوع الأرشفة والتوثيق، مثل الاعتماد على المستندات الورقية، في الوقت الذي يشهد العالم فيه ثورةً تقنية في أجهزة الحفظ والتصوير والأرشفة، وهناك معضلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها وهي: اللجوء إلى الأرشفة والتوثيق بعد مضي وقت طويل على بدء أعمال الجهة؛ وبالتالي يصبح الأمر معقّداً وصعباً لدرجة عدم وجود الكثير من المستندات، أو عدم وضوحها، أو عدم وجود تواريخ وتسلسل زمني لكل عمل.
ومن وجهة نظري فإن الأرشفة يجب أن تكون من أول الأعمال التي تعتمد عند إنشاء أي جهة، أو قيام الأفراد بأعمال تستوجب التوثيق والحفظ بشكل مستمر، وليس من المناسب أن تباشر قطاعات الأعمال وحتى الأفراد أعمالهم بدون وجود آلية واضحة ومعتمدة للتوثيق، كما تقوم العديد من الجهات بالبحث عن حفظ واسترجاع أعمالها وأحداثها بعد فترة زمنية طويلة، وبعد إحساس المسؤولين في تلك الجهات أو من يخلفهم بضرورة الرجوع للماضي؛ لرصد ما تم إنجازه وما حدث خلال الفترات السابقة.
لكن الأمر الذي يخفف من مرارة فقدان الوثائق وعدم وضوحها أو عدم وجودها أساساً؛ هو وجود العديد من المهتمين في كل المجالات، الذين يتابعون الأحداث ويرصدون التواريخ؛ رغبةً منهم وليس لأمر آخر، مثل المؤرخين الذين يهتمون بمجالات معينة، ويسخرون جل أوقاتهم للبحث والتنقل والكتابة؛ من أجل حفظ المعلومات وضمان عدم تحريفها أو اندثارها، وهم فئة مهمة في كل مجتمع نظراً لأعمالهم الجليلة التي يقدمونها لحفظ التاريخ ونقله إلى الأجيال اللاحقة.
ولعل من أهم النصائح التي نسديها للمؤرخين في هذا المجال، هي عدم الاكتفاء بمجهوداتهم التي يقدمونها طوال سنوات كثيرة من أعمارهم، بل يجب عليهم أن يقوموا بنشر تلك المعلومات التي رصدوها من خلال الكتب أو المقالات، أو حتى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهو أمرُ في غاية الأهمية، ويعد مكملاً لما قاموا به من جهد وعمل نبيل.
والنصيحة الأخيرة في هذا المقال موجهة للهيئات والمنظمات الجديدة التي أنشئت مؤخراً وللقائمين عليها، بضرورة اعتماد آلية واضحة ومناسبة لعملية التوثيق والأرشفة؛ لحفظ الأعمال أولاً، وللاستفادة من ثورة التقنية التي سهلت لقطاعات الأعمال القيام بهذا العمل، وحتى لا يضطر القائمون عليها للبحث عن طريقة مناسبة بعد سنوات طويلة تتوالى فيها الأعمال، وتتسارع فيها الأحداث، بشكل يجعل الحصول على بعض المعلومات أمراً في غاية الصعوبة، أو يجعل تلك الجهات تلجأ للاستعانة بجهات أخرى أو أشخاص آخرين؛ لرصد ما جمعوه والاستفادة منه بدلاً من القيام بذلك العمل بأنفسهم.