تشرفتُ بزيارة معرض الدفاع العالمي، الذي تقيمه الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) في دورته الافتتاحية، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-. وقد أُعجبت بما رأيته، وبلغت مني الدهشة مبلغًا عظيمًا. وللحقيقة والإنصاف، وبكل تجرد أقول: إن هذه الشركة التي لم يمضِ على تأسيسها سوى سنوات معدودة قد قطعت شوطًا كبيرًا في تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في توطين 50 % على الأقل من الإنفاق العسكري للمملكة بحلول عام 2030. كما حققت إنجازات مهمة ولافتة، تزيد من الفخر بالانتماء لهذه البلاد العظيمة التي تثبت في كل يوم أن أبناءها على قدر المسؤولية التي وضعتها فيهم قيادتها الرشيدة.
أبرز ما أثار إعجابي في المعرض هو وجود العديد من المنتجات التي تمتلك السعودية ملكيتها الفكرية بنسبة 100 %؛ ما يعني أنها منتجات وطنية خالصة، تم تصنيعها داخل السعودية، مثل السيارات المدرعة والطائرات المسيَّرة، إضافة إلى الأسلحة التقليدية كالمعدات الثقيلة، والذخائر من العيارين الثقيل والخفيف، والقنابل اليدوية، وذخائر الدبابات، وأنظمة التسليح عن بُعد، وأنظمة راجمات الصواريخ، والأنظمة المضادة للطائرات.. وغيرها. هذا الإنتاج الغزير المتميز يثبت أن بلادنا ستصبح في المستقبل القريب – بإذن الله - رقمًا يُشار إليه بالبنان في هذا المجال الحيوي.
عندما تتبَّعت أخبار الشركة السعودية للصناعات العسكرية وجدت أن هناك أهدافًا ضخمة تسعى لتحقيقها، لا تقتصر فقط على تأمين المستلزمات الدفاعية التي تحتاج إليها السعودية، بل تسعى إلى تحقيق فائض للتصدير بقيمة تقارب 14 مليار ريال، وأن تصبح من الدول الرائدة في هذا المجال على مستوى المنطقة والعالم أجمع، وذلك وفقط بخطط مدروسة بعناية، وأهداف تم وضعها بمنتهى الواقعية، مع استصحاب الطموح الكبير الذي يمتاز به السعوديون.
وكما علمت من بعض المسؤولين في المعرض، فإن السعودية تمضي في طريقها لتأمين احتياجاتها التي تُصنع داخل أراضيها، وبأيدي أبنائها، مع الأخذ في الحسبان ضرورة الاستعانة بخبراء عالميين في هذا المجال، وتوقيع اتفاقيات مع شركات عالمية للإسهام في توطين الصناعات الدفاعية.
الهدف الأكثر أهمية الذي تسعى الشركة إلى تحقيقه هو النأي ببلادنا عن لعبة التجاذبات والاستقطابات التي تميل لها بعض الدول الكبرى المصدِّرة للأسلحة، التي تمارس الضغوط على الدول لتنفيذ أجندتها السياسية والاقتصادية، وتلبية مصالحها مقابل تصدير التكنولوجيا العسكرية والمستلزمات الدفاعية، إضافة إلى عمليات ابتزاز عبر وقف تصدير الأسلحة للدول التي تريد الاستقلال بقرارها السياسي.
ولأن السعودية لا ترضى إلا أن تمتلك قرارها، وتتخذ مواقفها من مركز قوة، فقد أدركت ضرورة إيجاد موارد ذاتية للإيفاء باحتياجاتها الدفاعية؛ لذلك أولت خلال الفترة الماضية أهمية كبرى لهذا الجانب، ووضعت خطة علمية مُحكمة لتنفيذ أهدافها، تقوم على تشجيع البحث العلمي الذي هو أساس تحقيق أي نهضة وازدهار، ورصدت له المبالغ اللازمة، مع توفير ميزانية مناسبة للتطوير والابتكار.
الإحصائيات المتعلقة بهذا الجانب تبدو في غاية الأهمية؛ فهناك أكثر من 100 ألف وظيفة متميزة، سوف تنتج من تلك الصناعات، سيشغلها سعوديون في مختلف التخصصات، إضافة إلى إقامة برامج تدريبية متطورة للمهندسين السعوديين من الجنسين؛ ليتولوا قيادة هذه الصناعة، ونقلها إلى آفاق أرحب.
كذلك استطاعت الشركة التي تأسست في عام 2017 في نهاية العام الماضي رفع نسبة توطين صناعة الأسلحة من 2 % إلى 8 %، وتعمل جاهدة لبلوغ نسبة 50 % في عام 2030، ولإنجاز ذلك قامت بتوقيع العديد من الاتفاقيات التاريخية مع كبريات الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال؛ لتصنيع الاحتياجات داخل السعودية، وتوطين التقنية العسكرية، وتدريب القدرات الوطنية وفق أحدث الأنظمة الدولية، وهي ماضية -بإذن الله- لتحقيق أهدافها بكل جدارة واقتدار.
وهكذا تثبت الوصفة السعودية المتميزة قدرتها على تحقيق التميز والنجاح بالاعتماد على مخرجات العلم والمعرفة، وتوفير الكوادر الموهوبة، ورصد الميزانيات المطلوبة، والتنظيم الدقيق والمنهجية الواضحة؛ وبذلك تكون عناصر النجاح والتفرد قد تكاملت.
هذه الغايات الاستراتيجية التي كانت حتى وقت قريب مجرد تطلعات ورغبات باتت في العهد الزاهر الذي نعيشه على هدي رؤية السعودية 2030 حقائق واقعة، يلمسها المواطن ويعيشها، بعد أن ارتفع سقف الطموح، وازدادت التوقعات بما يتناسب مع طبيعة الإنسان السعودي الذي لا يقنع لنفسه بغير الصدارة، ولا يرضى لبلاده إلا أن تكون فوق هام السحاب.