حدث كثيرًا في صفحات التاريخ أن شخصًا واحدًا فقط غيَّر مسار تاريخ دولة!
كما سمعنا أن شخصًا واحدًا فقط سبَّب دمار شعب، وشخصًا واحدًا فقط صنع نهضة بلاد. إذن، لنتفق أن شخصًا واحدًا فقط يستطيع أن يُحدث فَرقًا شاسعًا..
شخصٌ ما أنقذ البشرية باختراع فريد، شخص واحد ساهم في إحداث نقلة نوعية في شركة أوشكت على الإفلاس!
فالعبرة بقوة الأثر، وارتفاع الهمة، والقدرة على التخطيط والتأثير والقيادة..
بغض النظر أكانت سلبًا أو إيجابًا..
وهنا أتساءل ما إذا كان تعاملنا مع أبنائنا من هذا المنطلق، هل سنرى بعضهم يستخسر دراهم معدودة يدفعها لصالح تعليم طفل واحد؟
أو حضور دورة من أجل طفل واحد؟
أو يستثقل المكوث لقراءة كتاب تربية نافع؟
أو يُقصِّر مع أحد أبنائه:
" عندي ثلاثة ما يفرق إذا قصَّرت مع واحد"!
وكأن هذا "الواحد" هو إطار سيارة زائد، أو قطعة أثاث نحركها كيفما شئنا، وإن لزم الأمر تخلينا عنها، لِمَ لا فهي مجرد واحدة "ما تفرق"!
ولكن الواقع أنها "تفرق كثيرًا"؛ فالعبرة كل العبرة في الكيفية وليست الكمية؛ فهذا الفرد الواحد إن شاء ربي قد يكون سبب نهضة بلاد، أو ربما فساد وطن بأكمله!
قد يكون سببًا بعد الله في إنقاذ حياة الكثير، أو يكون سببًا في ضلال خطير!
المفارقة المضحكة المبكية أن البعض لا يستخسر مئات يدفعها في حذاء، أو ربما في وجبة واحدة، ولكن عندما يأتي الموضوع لاستثمار عقله من أجل تربية طفله يقول: "والله لو عندي فصل روضة يستاهل أتعلم عشانهم".
كل طفل هو أمانة قبل أن يكون متعة، تكليف من الله قبل أن يكون تشريفًا لك بشكله أو اسمه أو لونه، لا خيار لك في تربيته من عدمها، وصدقني ليس الأمر بالجملة!
الواحد منهم هو روح وجسد وفكر وعقل، إعماره ونشأته الأولى مسؤوليتك أيها الوالد الفاضل، وليس من شأني إن كان لديك واحد أو عشرة أبناء، ولكن لست وغيري مكلفين بأن نتحمل شخصًا واحدًا يُدمِّر أمن دولتنا بتطرُّفه، أو يشوِّه سمعة بلادنا بحماقاته، أو يكون عميلاً أو مفسدًا بفكره الملوث!
هذا الواحد هو استمرارك في الحياة، إن زرعت خيرًا فخير، وإن أهملت وحقرت من عظم مسؤوليتك تجاهه سيلحقك عاره وفشله حتى بعد مماتك.
عزيزي الأب..
عزيزتي الأم..
طالما اخترتم الإنجاب فإن التربية الصالحة الواعية الصحيحة لزام، وأمر ملاصق لك، لا فكاك منها، مهما حاولت التعذر أو التهرب بأعذار واهية، فكما تدين تدان، والله يمهل ولا يهمل..
أحسن لأبنائك، واجعلهم شفعاء لك يوم القيامة بحُسن تنشئتك لهم، ولا تجعلهم خصماءك أمام الله بإهمالهم، والتساهل في رعايتهم، والتخبط في تربيتهم.
عامِل كل طفل لديك وكأنه فرد متميز ذو شأن عظيم في كِبَره، وستكون أنت أول من يعتز به ويفخر بإذن الله، وليس كفرد تعامله بالجملة في مجموعة لا تلقي لاحتياجاتهم النفسية بالاً، تؤكلهم وتشربهم كالأنعام، وعقولهم خاوية، ومشاعرهم متخبطة، وعواطفهم جافة، وقلوبهم متصحرة، تُنبئ بعواصف شديدة في مراهقتهم، وانقلابات فكرية في شبابهم، قد تؤول إلى انحراف أو تمرُّد في كِبَرهم!
أحسن إلى الله فيهم، وتعلَّم كيف ترعاهم، وكيف تمنعهم من الخطأ بحكمة، وتغرس فيهم القيم بتعقُّل ودراية.
كم تمنيت أن يكون الإهمال الوالدي جريمة يعاقب عليها القانون؛ لنحمي براءة الأطفال من قلة وعي بعض الأهالي، وتساهُل آخرين، وتعمُّد الإيذاء في بعض آخر.
فأغلب مشاكل الأطفال لا تولد معهم، ولكنها سوء التنشئة الأسرية هي السبب الرئيسي لها، فكلما اطلعت أكثر ازددت يقينًا أن التربية الصالحة واجبٌ، نحمي به الوطن قبل كل شيء، وأن مَن ضيعها فكأنما زرع قنبلة موقوتة في أرض وطنه!