اليوم الوطني السعودي: قراءة في الفكر الإداري للملك المؤسس طيب الله ثراه
يُجسّد اليوم الوطني السعودي مناسبة خالدة لاستحضار مسيرة التوحيد، التي لم تكن مجرد انتصار سياسي أو عسكري، بل مشروعًا متكاملًا تأسس على فكر إداري راسخ صاغه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه –، فقد أدرك أن بناء الدولة لا يمكن أن يقوم إلا على إدارة واعية تنظم شؤون المجتمع، وتؤسس لمؤسسات فاعلة، وتضع قواعد متينة لضمان الاستقرار والنماء.
المنهج الإداري
لم تكن الإدارة عند الملك عبدالعزيز مجرد جهاز بيروقراطي، بل كانت فلسفة حكم ورؤية استراتيجية، فقد جعل العدل أساس الحكم، معتبرًا أن استقرار الدولة لا يقوم إلا بالإنصاف وصيانة الحقوق. واعتمد على الشورى باعتبارها وسيلة لتوسيع دائرة القرار وتعزيز القبول المجتمعي، فكان يستمع إلى رجاله وزعماء القبائل وأهل الخبرة قبل حسم القضايا الكبرى.
وقد تميز منهجه بقدرة فريدة على الموازنة بين المركزية في القرارات السيادية الكبرى، والمرونة في إدارة شؤون الأقاليم بما يتناسب مع طبيعتها وظروفها.
القيم الإدارية
بنى الملك المؤسس منهجه الإداري على مجموعة من القيم التي تحولت إلى ركائز إدارية للتوحيد والبناء، من أبرزها:
* النزاهة: باعتبارها حجر الزاوية في إدارة المال العام والشؤون العامة.
* الحزم والانضباط: لضمان احترام الأنظمة وهيبة الدولة.
* الرحمة والعدل: في التعامل مع المواطنين بما يعزز الثقة والانتماء.
* البُعد الاستراتيجي: عبر اتخاذ قرارات تنظر إلى المستقبل ولا تكتفي بالمعالجات الآنية.
* الشورى والمشاركة: لترسيخ مبدأ العمل الجماعي في إدارة الدولة.
هذه القيم لم تكن شعارات نظرية، بل تحولت إلى ممارسات إدارية ملموسة، أسهمت في بناء قاعدة صلبة لإدارة شؤون الدولة.
البناء الإداري
ترجم الملك عبدالعزيز هذا المنهج عمليًا من خلال تأسيس أول مؤسسات الدولة الحديثة. فقد أنشأ وزارة الخارجية عام 1930م لتنظيم العلاقات الدولية، ووزارة المالية عام 1932م لتقنين شؤون المال العام، إضافة إلى أجهزة الأمن والدفاع لضمان الاستقرار. وهكذا انتقلت الدولة من أسلوب الإدارة التقليدية إلى الإدارة المؤسسية التي شكّلت الأساس للحوكمة الحديثة.
التوحيد الإداري
لم يكن التوحيد عند المؤسس مجرد ضم جغرافي للأقاليم، بل كان عملية إدارية شاملة. فقد استخدم الإدارة كأداة للتقريب بين المكونات القبلية والمناطقية، ولتنظيم شؤون المجتمع وفق نظام موحّد يضمن العدالة للجميع. لقد وفرت الإدارة لغة مشتركة بين القيادة والشعب، وساعدت على تحويل الولاء الشخصي إلى ولاء مؤسسي للدولة. بهذا المعنى؛ كانت الإدارة عند الملك المؤسس أداة توحيد سياسي وبناء مؤسسي، تمكّنت من تحويل الكيان السعودي إلى دولة حديثة متماسكة.
المدرسة الإدارية
إن قراءة اليوم الوطني من منظور إداري تكشف أنه مدرسة متجددة، تعلّمنا أن الدولة السعودية قامت على منهج إداري متين، جعل من الإدارة وسيلة للتوحيد في الأمس، وأداة للتحول في الحاضر، وضمانة لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. ومن هذا الإرث القوي، وُلدت رؤية السعودية 2030 باعتبارها امتدادًا طبيعيًا لمنهج المؤسس، تؤكد أن الإدارة الواعية هي الطريق لصناعة الغد.
ومما سبق ؛ فإن اليوم الوطني هو في جوهره احتفاء بـ الفكر الإداري للملك المؤسس، الذي جمع بين القيم الإدارية الأصيلة والرؤية الاستراتيجية الحديثة، لقد جعل الإدارة فلسفة حكم وأداة بناء، فاستطاع أن يوحّد البلاد، ويؤسس دولة راسخة، ويترك إرثًا إداريًا ما زال يقود حاضر المملكة ويضيء طريقها نحو المستقبل.