انطقينا وماضرّنا
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها".
وفي هذا السياق قصة تدعو للتأمل:
في مجلس أحد المشايخ كان ابنه يصب القهوة والشاي للضيوف، فانسكب منه شيء على الفرش، فما عنَّف ابنه، ولا صرخ عليه، بل قال: "وللأرض من كأس الكرام نصيب"!
جعل هذا من الكرم الذي يُكافأ عليه.. لا من الخطأ الذي يعاقَب عليه.
وفي اﻷثر: لا تضربوا أولادكم على كسر آنيتكم؛ فإن لها آجالاً معدودة.
يا كرام، لقد جاء الأمر النبوي من رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالضرب للصلاة وليس لأمر آخر؛ لعِظَم شأنها الذي لا يقارَن بأي أمر آخر. وبالرغم من عِظَم الأمر فإن السماح بالضرب جاء بعد 3 سنوات من التدريب المتواصل للطفل والتعويد على الصلاة. ومن يدرب بشكل صحيح ومتواصل على الصلاة من عمر مبكر سنواتٍ لن يحتاج للضرب في عمر 10 سنوات بإذن الله.. فالتدريب يبدأ مع بداية إدراك الطفل في سن الثلاث بدءًا بقصار السور للحركات والتعظيم الذي يراه في نفوس والدَيْه لتلك الشعيرة العظيمة.
والضرب بكل أنواعه ودرجاته هو أسلوب من لا أسلوب له، ومنهج من لا يمتلك نفسًا تربويًّا عميقًا، إضافة لكونه في أحيان كثيرة متنفسًا للحظة غضب لا أكثر.
وفي كلتا الحالتين عندما تضرب لقناعتك بذلك الأسلوب، أو انفجارًا في لحظة غضب، فالنتيجة واحدة على الطفل.
إذن، هو سلوك إطفائي بحت، لا علاقة له بالتقويم الذي هو أساس التربية؛ فالضرب لا يؤثر بشكل إيجابي على الطفل مهما أقنعت نفسك بذلك؛ لأن الآثار النفسية له والتعنيف بشكل عام، جسديًّا كان أو لفظيًّا، لا تظهر بين يوم وليلة، بل تتراكم يومًا بعد يوم؛ لتشكل غشاوة ضبابية في ذهن ذلك الإنسان، تلاحقه كلما أراد أن يفكر بصفاء؛ فضجيج تلك الآثار يمنعه من التركيز والسلام النفسي، بل قد يتعدى ذلك إلى أن يشوه نظرته لذاته؛ فيدخل في دهاليز مظلمة في عقله، قد ينجو منها بلطف الله، وقد لا ينجو؛ فتتدهور حياته!
والسؤال الآن: إذا كان الضرب والتعنيف والشدة الزائدة في التربية قد تكلف فلذات أكبادنا تلك العقبات الصعبة التي تظهر رواسبها بعد حين، فلِمَ لا نزال متمسكين به؟ وحتى إن كانت قناعتك بذلك الأسلوب أقوى من أن تتأثر برأي مَن يخالفك هذه القناعة، أليست العواقب والآثار الجانبية المحتملة مخيفة؟ هل تريد أن تجازف فتكون المتسبب لأبنائك بذلك؟ حتى وإن كان مجرد احتمال؟ فهل تتحمل تلك المسؤولية التي تجعلك تزج بهم في سجون ذلك العقل المظلم؟
إن التعنيف يشوه الصورة الذهنية للطفل عن نفسه، فيكبر بهذه النظرة التي تؤثر على كل شيء!!
أعتقد أن الأمر لا يستحق المغامرة حتى لو كان مجرد احتمال، فما بالكم لو كان أمرًا مثبتًا في الدراسات العلمية.. فقد أجرى الباحثون بعض المسوح على أدمغة الأطفال المعنفين، ووجدوا أن هناك تغيرات في صورة أدمغتهم بشكل ملحوظ عن أولئك الذين نجوا من تلك الدوامة.
عزيزي المربي، لا تخاطر بالصحة العقلية والنفسية لأبنائك!! ولا تستسهل رعونة الكلمات وقساوة التعامل وجفاف الأسلوب، لا تستصغرها، ولا تسميها بغير أسمائها؛ فليست تلك تربية، وليست حزمًا، بل ليست من الحكمة.. ولولا أثر الكلمة لما أسماها عليه أفضل الصلوات والتسليم "صدقة"، كما قال في حديثه: "الكلمة الطيبة صدقة". وإذا كان ذلك أثر الكلمة، فما بالك باللمسة الحانية واللطف واللين والرفق الذي ما نزع من شيء إلا شانه؟!
عزيزي المربي، كن واثقًا بأن قوتك تكمن في الحكمة؛ فاسأل الله أن يؤتيك منها {... وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.
فالله الله بالرفق في أبنائكم.. فالحب والحكمة يزرعان الخير في نفوسهم، ويقوّمان كل معوج دون آثار سلبية تكونون أنتم أول من يعاني منها في رحلة الحياة معهم.