فن الإتيكيت.. خُلق إسلامي أصيل
يقع الكثيرون منا في مواقف محرجة، بقصد أو بدونه، خلال حضور فعاليات رسمية أو مناسبات اجتماعية مع الأقارب والأصدقاء؛ وذلك نتيجة للجهل بقواعد السلوك العام الذي يُعرف باسم "الإتيكيت"، الذي أصبح علمًا يُدرَّس في الجامعات ضمن مناهج الضيافة والفندقة؛ إذ يعد أحد أساسيات التعامل في هذه المهنة، إضافة إلى دوره المتعاظم في حياتنا اليومية العادية.
والملاحَظ أن القاسم المشترك بين جميع تلك المواقف يكمن في الكلمات التي نتفوه بها، دون أن نلقي لها بالاً أو ننتبه إلى ما إذا كانت تحرج مَن حولنا، وتُسبِّب لهم الضيق.
ومن هذه الكلمات التي يطلقها البعض بحسن نية، ولكنها تؤذي الآخرين، التعليق على مظهر أحد الأشخاص، ومعايرته بسبب انتشار الشيب في شعره، أو زيادة وزنه، أو تقدُّمه في العمر.. بما قد يصل إلى درجة التنمُّر.
كذلك، قد يحرج المزاح الزائد عن الحد البعض، ويصيبهم بالضيق، ولاسيما إذا كان أمام الآخرين، أو وسط مجموعة من الناس؛ فالبعض لا يحبذون ذلك، وقد يقبلون مزاحك إذا كانوا معك وحدك، لكنهم لا يتقبلونه أمام حشد من الناس.
كذلك، من الخطأ الكبير توجيه النقد للمشروبات أو المأكولات في المناسبات العامة؛ فتلك الخصلة تجعل الآخرين ينظرون إليك باستخفاف، وخصوصًا أصحاب المناسبة. ولنا في مُعلِّم البشرية ورسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أسوةٌ حسنةٌ في هذا المقام؛ إذ لم يؤثر عنه أنه عاب طعامًا قط، فإن اشتهاه أكله وإلا تركه بدون أن يعيبه.
ومن أبرز مبادئ الإتيكيت وحُسن التصرف أن نبتسم في وجوه الآخرين، ونهش لاستقبال ضيوفنا، وأن لا نحرجهم بكثرة العتاب، وأن نتجنب سؤالهم عن خصوصياتهم، وأن نظهر الحرص على مصلحتهم، وألا نتأخر في تقديم الشاي والقهوة لحين اكتمال الحاضرين؛ لأننا بذلك الفعل نبدو وكأننا نعاقِب مَن التزم بوقت الحضور!
كذلك، ليس من المقبول إطلاقًا الحديث في المناسبات العامة عن قضايا السياسة، أو إثارة الخلافات الرياضية التي يمكن أن يتشعب الحديث عنها بما يؤدي إلى رفع الصوت والصياح، بل ينبغي تبادُل الأحاديث الودية في القضايا المتفق عليها، التي لا يستفز الخلاف حولها الآخرين.
ولأن النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- قال: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فإن مفهوم الإتيكيت ليس دخيلاً في الإسلام، بل هو جزءٌ أصيل منه؛ فالدين الإسلامي دين التكامل والرقي والحضارة الحقيقية.. فقد حث على تنظيم سلوكيات الفرد كافة تجاه الآخرين، كما أكد ضرورة اتباع الأخلاق الكريمة.
ويتفرد مفهوم الإتيكيت في الإسلام بأنه يتناول تصرفات الإنسان بينه وبين نفسه، مثل كيفية تناول الطعام، ومقداره، وكيفية الشرب وارتداء الملابس والنوم.. إضافة إلى تصرفاته مع الآخرين، مثل استقبال الضيوف، والتبسم في وجوه الآخرين، والوقوف مع الضعفاء والمحتاجين.. كما لم ينسَ الإسلام قواعد الإحسان إلى الجار، والسؤال عنه، وإماطة الأذى عن الطريق.
وحتى علاقة المسلم مع زوجته وأبنائه ووالديه وضع لها الإسلام نظامًا بالغ الدقة، يقوم أساسًا على الرحمة والمودة.
لنكن أكثر تحضرًا ورقيًّا في التعامل مع الآخرين، ولنحرص على تقديم صورة مشرقة عن أنفسنا، وأن نتوقف عن انتقاد الآخرين حتى وإن كانوا على خطأ، ما دام ذلك يضايقهم ولا يروق لهم، وإن كان من ضرورة لتقديم النصيحة فإن الطريق الموصل إلى تلك الغاية يجب أن تسبقه مقدمات، وأن تكون النصيحة بيننا وبينهم، وبدون وجود طرف ثالث؛ حتى تكون مقبولة، ولا تتحول إلى فضيحة.