المرأة السعودية.. نصف المجتمع الأكثر فاعلية

قطعت المرأة السعودية مؤخرًا خطوات كبيرة في سبيل استعادة حقوقها التي سلبتها إياها عقليات أرادت لها الانزواء بعيدًا عن مشهد الحياة العامة، وحصرت دورها في مهام محددة، تتعلق في معظمها بالواجبات الأسرية، ومارست عليها قدرًا كبيرًا من التشدُّد والإجحاف؛ ما تسبب في تراجع دورها في الشأن العام إلا من بعض الإسهامات الفردية التي حاولت كسر طوق العزلة، والمساهمة في تنمية المجتمع، والمشاركة في حركة تطوره.

خلال السنوات الماضية حظيت المرأة السعودية بدعم لا محدود من القيادة التي آمنت بقدراتها، وفتحت أمامها مجالات الإبداع وآفاق الإنجاز. ولإثبات الأهمية الكبيرة التي حظيت بها المرأة يكفي الإشارة إلى أن القوانين التي تم سنها أو تعديلها، المتعلقة بإنصاف المرأة وتمكينها، بلغت 60 قرارًا منذ إقرار رؤية السعودية 2030 التي أولت عناية فائقة للمرأة، ونادت بتقليل نسبة البطالة بين النساء، وتمكينهن، وإتاحة الفرصة أمامهن للانطلاق في مجال العمل، والإسهام في تنمية الوطن.

ولم تخيِّب المرأة السعودية ظن القيادة التي راهنت على إمكاناتها، ووثقت في قدراتها، وأثبتت خلال فترة وجيزة أنها أهل لهذه الثقة؛ إذ اقتحمت الكثير من المجالات التي كانت حكرًا على الرجال، وبذلت جهودًا مضنية، مكَّنتها من تثبيت أقدامها.. فقد سارعت إلى انتهاز هذه الفرصة الذهبية، والتحقت بميادين العمل والإنجاز، وأثبتت إمكانياتها وقدراتها على تحقيق الإضافة الإيجابية المطلوبة؛ إذ لم يعد هناك بيئة عمل إلا دخلتها، وحجزت لنفسها مكانًا فيها؛ فشهدناها سفيرة تمثل بلادها في كبريات دول العالم، وبرلمانية تسهم في صناعة التشريعات، ومحامية تدفع عن حقوق المظلومين، وعنصر أمن يسهم في فرض الانضباط، وعاملة تدفع حركة الإنتاج.. ولكن لأن أي مجتمع بشري لا يخلو من فئة قليلة تغرد خارج السرب، وتسبح عكس التيار، فإن بعض النساء لم يستوعبن -للأسف- الرسالة التي أراد المجتمع إيصالها إليهن، ولم يتعاملن مع هذه الفرصة السانحة بما تستحقه من اهتمام؛ إذ ظنن أن أجواء الانفتاح تعني التسكع في المولات بدون هدف، والتصرفات الخارجة عن حدود الذوق العام، أو الخروج بملابس غير محتشمة، لا تتوافق مع بيئتنا وعاداتنا وأخلاقنا، أو بماكياج صارخ، يلفت الأنظار، ويجلب المعاكسات والتحرش.

وبالرغم من التسليم بأن من يقمن بتلك التصرفات هن نسبة قليلة، لا تمثل المرأة السعودية، إلا أن المجتمع يرى هذه النماذج، ويركز عليها؛ لأنها شاذة، وتلفت الأنظار، وربما يتخذها بعض المتربصين بالمرأة، ممن يعارضون إنصافها وإتاحة المجال أمامها للعمل، لترديد مزاعمهم الكاذبة بأن ذلك هو ثمرة التمكين؛ ومن ثم يطالبون بالعودة إلى نقطة الصفر.

قبل فترة قصيرة جمعتني المصادفة مع إحدى صديقات الدراسة في مناسبة اجتماعية، وعندما لاحظت تغيرًا في شكلها الخارجي وطريقة ارتداء ملابسها دار بيني وبينها حديث عن ذلك، فكان ردها أن ذلك هو نتيجة لأجواء الانفتاح الذي نعيشه حاليًا، وأن المرأة يجب أن تكون حرة في اختيار ما تريده من الملابس بدون "وصاية" أو "رقابة ذكورية"، إلى غير ذلك من المصطلحات البراقة.

سألتُها والدهشة تملأ جوانحي عن وجه الحضارة في أن تخرج إحداهن وهي ترتدي ملابس غير محتشمة تلفت إليها الأنظار؟ هل هذا يعني التفرد أو يرمز إلى التطور؟ وهل من الحرية أن نتحدى ثوابت المجتمع وقيمه الراسخة؟ وانتهى الحوار بيننا وأنا على ثقة تامة بأن صديقتي العزيزة، ومَن يسرن في طريقها نفسه، يعانين ببساطة من الاستلاب الثقافي، وسوء فهم الحضارة على حقيقتها.

وأختم بتحذير المرأة من أولئك الذين يدفعونها في هذا الاتجاه.. فإن كان البعض قد تسلطوا عليها في السابق، وحرموها حقوقها بفتاوى باطلة وتأويلات خاطئة فإن من يزينون لها التحرر من القيود والثوابت والقيم كافة هم أكثر خطورة على مكتسباتها، ويريدون لها أن تتحول فقط من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهم ليسوا سوى عدو في ثياب صديق.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org