الصحافة السعودية تدخل "عصر المستقبل"
خطفت انتخابات هيئة الصحفيين التي جرت خلال الأيام الماضية الأضواء، واستحوذت على الاهتمام بسبب العملية الانتخابية الراقية، والمخرجات التي أسفرت عنها؛ إذ جاءت في أجواء حضارية متميزة، سادتها الشفافية والتنافس الشريف، وامتازت بالتفاهم، وكان عنوانها الأكبر هو الرغبة في تقديم إضافة جديدة لهذه المهنة التي تمثل ضمير المجتمع، وعين المواطن، وتقوم بدور الرقيب على أداء الأجهزة والمؤسسات الحكومية.
أول ما لفت الأنظار في تلك الانتخابات التدافع الكبير للصحفيين للمشاركة؛ إذ بلغت النسبة أكثر من 65%، غالبيتهم من عنصر الشباب، الذين حرصوا على التعبير عن حضورهم القوي على الساحة، والرغبة في إيصال صوتهم، والإعلان عن أنفسهم كحملة لمشاعل التغيير والتجديد.
وبعد عملية انتخابية سلسة جاءت النتائج لتؤكد فوز مجموعة المستقبل بصورة كاسحة معلنة قدوم أسماء شابة، تحمل مفاهيم عصرية متجددة لمهنة الإعلام، وتتسلح بمؤهلات وخبرات عالية، يملؤها الحماس في تقديم الإضافة الإيجابية التي تتوافق مع المرحلة الاستثنائية التي تشهدها بلادنا، والمنعطف التاريخي الذي تمرّ به؛ وهو ما يستلزم ظهور عقليات جديدة، تتعامل مع هذا الواقع الجديد حسب معطياته.
هذا الفوز الكبير أكد حقيقة واضحة، هي أن بلادنا اختارت الانحياز إلى عنصر الشباب توافقًا مع ما أفرزته رؤية السعودية 2030، التي أعادت تشكيل بنية المجتمع، ومنحت الكوادر الوطنية الموهوبة الفرصة الكاملة للانطلاق في سماوات الإبداع، والمساهمة في رسم ملامح المرحلة القادمة، التي ينبغي أن تواكب المكانة الدولية والإقليمية للمملكة.
وللعدل، فإن اللجان السابقة لهيئة الصحفيين بذلت من الجهد ما وسعها، وأسهمت في تطوير المهنة، وقدَّمت الدعم للصحفيين، لكن الواقع الجديد الذي تعيشه بلادنا فرض هذا التحول نحو القوى الشابة التي تدرك أكثر من غيرها تحديات المرحلة المقبلة.
والآن، وبعد انتهاء العملية الانتخابية، وإعلان فوز الشباب، فإن على أعضاء المجلس الجديد إدراك حجم العمل الضخم الذي ينتظرهم، والآمال الواسعة التي يعلقها عليهم العاملون في مهنة الركض اليومي وراء الحقيقة؛ فهناك كوادر سعودية شابة تنتظر الدعم والمؤازرة حتى تثبت أقدامها بعد أن عانت طويلاً من التجاهل والإهمال، وهناك كفاءات ومواهب تبحث عمن يكتشفها، ويأخذ بأيديها نحو الطريق الصحيح.
وحتى الكوادر الموجودة والعاملة في المؤسسات الصحفية هي بحاجة لرفع القدرات، وترقية المهارات؛ لمواكبة الواقع الجديد الذي فرضته التقنية على حياتنا؛ فالإعلام مهنة متغيرة، تشهد كل يوم تطورًا ملموسًا، وتُظهر أنماطًا صحفية حديثة، لا بد من مواكبتها ومتابعتها.
ولا ننسى أيضًا أهمية إعادة البريق لهذه المهنة، وتنظيم عضوية الهيئة، وإبعاد من يدَّعون الانتساب لها، ويطلقون على أنفسهم أنهم إعلاميون وصحفيون لمجرد أن أحدهم بث منشورًا أو اثنين على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح من المشهورين، أو الذين بات يُصطلح على تسميتهم بـ"المؤثرين". ومع التقدير الكبير لما يقوم به بعض هؤلاء من أدوار إيجابية وعمل مسؤول إلا أن ذلك لا يبرر لهم الانتساب إلى مهنة الصحافة والإعلام؛ فهي مهنة محكومة بضوابط محددة، وهناك اشتراطات معلومة على من يريد مزاولتها.
أما فيما يتعلق بالدور الذي ينتظر الهيئة خارج حدود عضويتها فإن من أولوياته إيصال الصوت السعودي للخارج، وإيلاء أكبر قدر من الاهتمام للصحافة الناطقة باللغات العالمية الحية؛ فهناك غياب كبير للصوت السعودي في الغرب.
نريد أن نخاطب الآخرين بلغاتهم، وأن نوضح لهم واقعنا المشرق، ومستقبلنا الذي تدل المؤشرات كافة على أنه سيكون -بإذن الله- مشرقًا.
فنحن أصحاب قضية عادلة، ولم نكن يومًا ظالمين أو معتدين، وأيدينا ممدودة للآخرين على الدوام، بيضاء من غير سوء.. ولدينا حضارة عريقة، تعود إلى عهود سحيقة، ومناطق أثرية لا يوجد لها مثيل في العالم كله، ومقدرات سياحية هائلة، وفرص استثمارية غير مسبوقة.. والتعريف بكل ذلك هو مسؤولية الإعلام.