نجاح موسم العمرة في رمضان.. أين مؤثرو التواصل؟
منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، ظلّت خدمة الحرمين الشريفين شرفًا تحمله القيادة وتضعه في مقدمة أولوياتها، وتجسّد هذا النهج في مشاريع التوسعة التاريخية، والخطط المحكمة، والإمكانات البشرية والتقنية التي تُسخّر لخدمة ضيوف الرحمن. ومع حلول شهر رمضان من كل عام، يتكرّس هذا الجهد بصورة أعظم، ليشهد العالم بأسره كيف تنجح السعودية في إدارة حشود مليونية داخل أقدس بقاع الأرض، دون ارتباك، ودون فوضى، في مشهد لا يتكرر في أي مكان آخر.
ملايين المعتمرين والمصلين توافدوا إلى المسجد الحرام خلال شهر رمضان المبارك، وبلغ الحضور ذروته في ليلة 29، حيث شهد أكثر من 2.5 مليون مصلٍ ختم القرآن الكريم، وسط تنظيم استثنائي وخدمات متكاملة. كما شهد المسجد النبوي حضورًا كثيفًا لمئات الآلاف من الزوار والمصلين، الذين أدوا عباداتهم في أجواء إيمانية مفعمة بالسكينة والطمأنينة.
وقد تكاملت هذه المشاهد الروحانية مع خطط تشغيلية محكمة، تشارك فيها عشرات الجهات الحكومية وآلاف الكوادر من مختلف القطاعات، وعلى رأسهم رجال الأمن، الذين ينتشرون في كل زاوية بتأهب وحكمة وصبر، لتأمين الأجواء، وتنظيم الحشود، وضمان انسيابية الحركة.
مشهد يتكرر يوميًا، ويعكس صورة مبهرة عن قدرة الدولة على الجمع بين الإيمان والتنظيم، وبين قدسية المكان واحترافية الإدارة.
ورغم هذا الحدث الروحاني الهائل، وما يحمله من معانٍ سامية وإنجازات وطنية تستحق التوثيق، يغيب كثير من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي عن الصورة. فبينما تتجه أنظار المسلمين إلى الحرمين، ينشغل بعض المؤثرين على منصات التواصل بتصوير الإعلانات، وإطلاق المسابقات، وجمع المشاهدات، وكأن رمضان بالنسبة لهم موسم أرباح، لا موسم عبادة.
الحديث هنا لا يستهدف أحدًا، ولا يعيب من يعمل أو يسعى، لكن الغياب التام عن واحدة من أعظم التجارب الرمضانية في العالم الإسلامي يطرح سؤالًا كبيرًا: أين هم من هذا النجاح؟ أين هم من مشاهد الجهود الأمنية والتنظيمية؟ من لحظات الخشوع، والتكبير، والانسياب العجيب وسط الجموع؟ أين هم من صورة وطنهم وهو يقدّم للعالم أروع نموذج لإدارة الحشود في أقدس مكان وأعظم زمان؟
الواقع أننا لا نحتاج المؤثرين، أو كما يُطلق عليهم “المشاهير”، لإبراز هذا النجاح، لأن النجاح ظاهر للعيان؛ في كل لقطة، وفي كل مشهد مباشر، وفي كل دعاء يخرج من قلب معتمر.
لكن التساؤل يبقى مشروعًا: لماذا يغيب من يملكون المنصات عن حدث بهذا الحجم؟ وأين اختفى دور التأثير حين يتعلّق الأمر بالفخر الوطني؟
الربح مشروع، لكن التأثير مسؤولية. ومن يملك منبرًا أمام الملايين، لا يليق به أن يغيب عن أجمل ما يحدث في بلده. في الحرم تُرفع الأكف، وفي بعض الحسابات تُرفع الأسعار. فارق شاسع بين من يسابق الزمن لرضا الله، ومن يسابق الزمن لنشر إعلان جديد.
لكن السؤال يظل قائمًا: أين هم من هذا المجد؟ أين هم من مشهد وطني عظيم يحدث أمامهم، ويشهد له العالم بأسره؟
يكفي أن ترى معتمرًا مسنًا يسير مطمئنًا بين الحشود، أو طفلًا يرفع يديه بالدعاء، لتدرك أن ما يحدث هنا لا يُقاس بالمتر ولا بعدد المتابعين، بل بقيمة المكان وعظمة الرسالة.
ولعل من غاب بالأمس عن المشهد، يعود اليوم بقلب صادق وعدسة مسؤولة، ليكون صوته وصورته جزءًا من فخر يُكتب في التاريخ، لا في الإعلانات.
وإن كان البعض قد غاب عن توثيق هذا النجاح، فإن الواقع أقوى من الغياب، والحقيقة أوضح من أي محتوى. لأن ما يحدث على أرض الحرمين يتحدث عن نفسه، ويفرض حضوره على كل منصف، ويؤكد – عامًا بعد عام– أن هذا الوطن يسير بثقة، ويكبر بالفعل لا بالضجيج، ويؤمن أن أعظم التأثير لا يصنعه إعلان، بل تصنعه رؤية، تُبنى على الإخلاص، وتُدار بالكفاءة، وتثمر بالعزيمة.
ولا ننسى أن نُشيد بجهود الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، التي تقوم بدورها في الرقابة والرصد، وتحرص على ضبط المحتوى بما يراعي قيم المجتمع وخصوصية الشهر. ويبقى دور التأثير مسؤولية يتشارك فيها الجميع، ولا يمكن أن يُختزل في جهة واحدة.
نجاحات السعودية في موسم العمرة ليست مجرد أرقام، بل هي قصص من التفاني والعمل الصامت، ومظاهر من التنظيم المتقن والتطوير المتسارع، تستحق أن تُروى وتُحتفى بها، وتُسجَّل في ذاكرة كل منصف. وهي ليست لحظات عابرة، بل ترجمة حية لرؤية المملكة 2030، التي جعلت خدمة ضيوف الرحمن في صلب تطلعاتها، وارتقت بها من واجب ديني إلى مشروع حضاري متكامل.
هذا النجاح يدعو للفخر والاعتزاز لكل سعودي، ويدعو للفخر أيضًا لكل مسلم محب لبلد الحرمين، لأن ما يُنجز هنا ليس مجرد تنظيم، بل تجلٍّ لقيمة الحرمين في قلب الدولة، وفي ضمير الأمة.
ختام القول..
إن ما نشهده في الحرمين الشريفين خلال شهر رمضان من تنظيم استثنائي وخدمة متميزة لحشود الملايين، ليس بحاجة لمن يُعرّف به أو يُسوّقه، فالمشهد أبلغ من أي تعليق، والنجاح أوضح من أن يُنتظر ظهوره في حسابات مؤثرين.
ما يحدث في الحرمين هو صورة مشرقة من صور التحول الوطني الشامل، وامتداد صادق لرؤية المملكة 2030، التي وضعت من هذه البقاع الطاهرة نقطة انطلاق نحو الريادة، ومن تجربة المعتمر والزائر معيارًا عالميًا في التنظيم، والراحة، والسلامة، والانسيابية.