الإعلام الذي نريد يا معالي الوزير
مع صدور المرسوم الملكي بتعيين معالي الأستاذ سلمان الدوسري، وزيرًا للإعلام، دار لغط كثير عن الإعلام الرسمي السعودي، ونشرت آراء من بعض اللصقين بمهنة الإعلام والأكاديميين، وهي آراء تحتمل الخطأ والصواب، بحسب موقف كل واحد منا من مفهوم الإعلام.
هناك من يحمل وزارة الإعلام أكثر مما تطيق، فوزارة الإعلام مهمتها تكمن في التعريف بالهوية السعودية والمحافظة عليها، ونقل الصورة الحقيقية لأسلوب حياة السعوديين، مع إبراز إنجازات الدولة ومواقفها الإقليمية والعالمية، إضافة إلى التصدي لكافة الأخبار التي تتناقض مع الصورة الحقيقية. كما تُشرف على الصحف والمجلات والقنوات وجميع الوسائل الإعلامية الأخرى.
لذلك فإن الذين يتوقعون منها أن تأتي بالمعجزات ينسون محدودية مسؤوليتها وينسون حقيقة أنها لا تصنع المحتوى وإنما تضع اللوائح والأنظمة والضوابط والإرشادات والخطوط العريضة له. وتستطيع الوزارة بحسب السلطات الممنوحة لها ضبط إيقاع المؤسسات التابعة لها، مثل هيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية التي ربما تحتاج إلى إعادة هيكلة ووضع معايير لسياسات التدريب والأخبار والبرامج واختيار منسوبيها من كلا الجنسين.
أما مقولة أن "الإعلام الخارجي ضعيف" وأن "أداءه غير مرضٍ"، فأمر يحتاج إلى دراسة علمية وليس مجرد إبداء رأي. صحيح أن الإعلام السعودي مرّ طوال تاريخ المملكة بمراحل انتقالية ومخاضات كثيرة شهد فيها نجاحات وإخفاقات لأسباب كثيرة يصعب حصرها، لكنه أثبت حضوره القوي على الساحة العربية.
في عالم الإعلام اليوم، تهيمن مؤسسات غربية عريقة على الساحة، مثل محطة CNN، بينما تتراجع محطات أخرى وتغيب عن الساحة، مثل هيئة الإذاعة البريطانية بالعربية أو إذاعة صوت أمريكا. ومن الحقائق التي لا يمكن تجاهلها أن الإعلام غالبًا ما يكون سلاح الدول القوية والمنتصرة، كما أن الإعلام في الدول الغربية يهتم بالقضايا التي تمس الحياة المباشرة لمواطني تلك الدول، لذلك فإن التغطية الإخبارية للتطورات في الدول الفقيرة ودول العالم الثالث تكون ثانوية أو شبه منعدمة، حتى أن حادث إطلاق نار على مدرسة في إحدى الولايات الأمريكية كانت له الأولوية على الزلازل في تركيا وسوريا التي راح ضحيتها أكثر من 50 ألفاً.
قضية الإعلام الخارجي مسألة مختلف عليها، فهناك من يطالب بهيئة للإعلام الخارجي... وتكون مرتبطة بمجلس الشؤون السياسية والأمنية، وتتولى جميع مهمات الإعلام الخارجي. بينما يرى رأي آخر أن القادة هم من يصنعون الإعلام الخارجي وليس الهيئات أو وزارات الإعلام، أو شركات العلاقات العامة، مع أننا لا ننفي دورها في ذلك. ولا شك في أن تجربة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- في التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية تجربة تستحق الدراسة والتوقف عندها والبناء عليها.
عندما نتحدث عن الإعلام الخارجي فإنه يأخذ أشكالاً شتى من أشكال التواصل تشارك في صنعها القيادات السياسية والدبلوماسيون والمكاتب الإعلامية والأفراد المؤثرون بهدف إبراز الإنجازات وتغطية الأحداث في البلد المعني والرد على أي حملات مغرضة يتعرض لها.
لكن الحقيقة الثابتة هو أن الإعلام الخارجي أو المحلي لا يصنع الحدث بل هو نتيجة له. وهذا ما يتضح من خلال متابعة التغطية الإعلامية لرؤية 2030 وما نتج عنها من تغيير وتطوير ومكافحة الفساد والنمو الاقتصادي التي قادها سمو ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- منذ توليه ولاية العهد في عام 2017.
وخلال هذه الفترة، التي شهدت أحداثًا كثيرة، حظيت المملكة بتغطية إعلامية غير مسبوقة، كان ولي العهد هو الصانع الوحيد لها من خلال جولاته في دول كثيرة لترسيخ دور المملكة ومكانتها، ومنها دول جنوب شرق آسيا، ومواقفه الشجاعة من الصراعات الدولية وقضايا الطاقة، مثل الحرب في أوكرانيا وأسعار النفط، والاستجابة الإنسانية لضحايا الكوارث في العالم والوساطة في النزاعات، مثل تبادل سجناء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ولأننا نعيش في عالم مفتوح ومتقلب ومحكوم بالمصالح، فإن جذب وسائل الإعلام يحتاج إلى استخدام القوة الناعمة بذكاء وتخطيط مدروس لكسب الأصدقاء والمواقف والدعم من خلال المصداقية وترسيخ القناعات والثقة بعيدًا عن الإكراه والتهديد والولاءات الرخيصة مدفوعة الأجر لأشخاص يميلون مع الريح حيث تميل.
ما نحتاجه ليس هيئة للإعلام الخارجي، وإنما خلوة للكفاءات وعقولاً إبداعية ومبتكرة تبني على ما أنجزه سمو ولي العهد وتؤمن بهذا الوطن وقيادته، وتعمل من أجل عزته ورفعته وتحقيق الحلم بمستقبل أفضل ومكان تحت الشمس، وعندها سيأتي لنا الإعلام الخارجي من دون أن نذهب إليه.