لا مساواة مع الرجل في هذا

تم النشر في

«المساواة»، و«العدل»، مصطلحان متداخلان، يدخل أحدهما في معنى الآخر. فالعدل أشمل من المساواة. ويمكن القول: إن المساواة هي «التسوية بين أمرين»، والعدل هو «الموازنة بين جميع الأطراف، بأن يأخذ كل ذي حق حقَّه». وكثيرًا ما نسمع بالمطالبة بأحدهما دون الآخر، فيُطالب بالمساواة بين شيئين، دون المطالبة بالعدل بينهما، ومن ذلك المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة.

وخصائص الرجال تختلف عن خصائص النساء كثيرًا، فبينهما اختلافات نفسية وسلوكية وتشريحية وهرمونية، ولذا يقول عالم النفس «مارك تراڨرز»، «إن معظم علماء النفس يتفقون على وجود اختلافات شخصية ثابتة، ويمكن التنبؤ بها بين الجنسين، حتى إن إحدى الدراسات، وجدت أن معرفة السمات الشخصية للفرد، بدون معرفة جنسه، تجعل من الممكن تخمين جنسه بشكل صحيح».

وأجمل ما سمعت في تفسير قول الله تعالى ﴿وَلَيۡسَٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ﴾ [آل عمران: 36]، أن المقصود أنهما مختلفان في مقدرتهما على القيام بمهامِّ خدمة بيت المقدس، التي لا يقدر عليها إلا الرجال. وفي هذا تأكيد أن هناك اختلافًا بين خصائص كل من الرجل والمرأة، وعليه تختلف قدرة كل منهما على تأدية بعض الوظائف.ولهذا، كانت امرأة عمران ترجو أن تضع مولودًا ذكرًا،ليكون خادمًا لبيت المقدس؛ إيفاءً بنذرها التي نذرته عندما حملت بابنتها مريم، التي لم تعلم أنها أنثى إلا بعد ولادتها، مما جعلها تشعر بالحرج في الوفاء بهذا النذر.

ولقد أَوْلَتْ حكومة خادم الحرمين الشريفين تمكين المرأة اهتمامًا كبيرًا، لدورها الأساسي في بناء نهضة البلاد. ففي عهد الملك سلمان - حفظه الله - أتيحت للمرأة مجالات وفرص عديدة، للعمل في مختلف القطاعات العامة والخاصة. وتماشيًا مع سياسات المملكة وتشريعاتها فيما يخص عمل المرأة وتطوير دورها المجتمعي؛ وضعت رؤية السعودية 2030 ضمن أبرز أهدافها تمكين المرأة وزيادة نسبة مشاركتها في سوق العمل.

ومن الملاحظ أن المرأة العاملة السعودية قد حصلت على حقوقها الوظيفية بشكل مساوٍ للرجل، من حيث الأجور، والمزايا الوظيفية، والمناصب. بخلاف المرأة العاملة في الدول الغربية، التي تتقاضى نصف أجرزميلها الرجل في الوظيفة نفسها، وهذا الأمر يؤكد حرص حكومتنا الرشيدة على توفير حياة كريمة وسعيدةللمواطنين والمواطنات، خصوصًا أن هناك أُسَرًا سعودية العائل الوحيد لها هو المرأة، ولقد «ساهمت المرأة الموظفة بوضوح في سد حالات الفقر والعوز لكثير من الأسر، وهذا أمر مهم في سبيل الحفاظ على الكرامة والعزة الشخصية وكف اليد عن السؤال وما يترتب عليه من ذل وتعرض للمهانة، كما أضاف عمل المرأة قوةًاقتصاديةً أخرى لكثير من الأسر مكنتها من تحقيقحياة أفضل».

ونظرًا لاختلاف طبيعة المرأة عن الرجل، فإن لها احتياجاتٍ خاصةً من ناحية الإجازات وساعات العمل،تختلف عن احتياجات الرجل. فالمرأة العاملة عليها بعض المسؤوليات الأسرية، فهي أُمٌّ ولها أولاد، وفي الغالب تقع مسؤولية الاهتمام بهم على عاتقها أكثر من الأب.وهي كذلك زوجة، ويقع على عاتقها المهام المنزلية بشكل أكبر من الزوج. وحتى ولو كانت عزباء، فقد تكون مسؤولة عن والديها أو إخوتها. لذلك، ينبغي مراعاة ذلك في بيئات العمل، وتوفير بعض الحقوق التي تلائم احتياجات المرأة العاملة.

فالمرأة العاملة قد تضطر للتغيب عن عملها بسبب تلك المسؤوليات، ولعل العمل عن بُعد يكون حلًّا مناسبًا، بحيث توفق بين مهامِّها الوظيفية ومسؤولياتها الأسرية، على أن يوضع تنظيم يسمح برصيد سنوي للمرأة العاملة للعمل عن بُعد لا يقل عن (72) يومًا، إلى جانب رصيدها السنوي من الإجازات.

وتحتاج المرأة العاملة المتزوجة إلى إجازة خاصة للحمل، إما أن تكون مستقلة أو تضمَّن في الإجازة المرضية، وترتبط بالتقارير الطبية. وتحتاج أيضًا إجازة وضع لمدة لا تقل عن (60) يومًا. ولأهمية بقائها مع مولودها -على الأقل خلال السنة الأولى من عمره- فهي تحتاج إلى «إجازة أمومة» بنصف الراتب. وهذه الإجازات تشجع على الزواج والإنجاب، مما يؤدي إلى زيادة معدل النمو السكاني للسعوديين، الذي «انخفض انخفاضًا حادًّا وغير متوقع (إبان الفترة بين العامين 2010م و2017م)، وكانت مشاركة المرأة في قوة العمل أحد أسباب هذا الانخفاض» وفقًا لإحدى الدراسات.

وتحتاج المرأة العاملة المتزوجة، إذا توفى عنها زوجها، «إجازة عدة وفاة»، بحيث تتوافق مع حالها وقت وفاة زوجها، لأن من المقرر شرعًا أن عدة المتوفَّى عنها زوجُها لا تخرج عن حالين اثنين؛ إما أن تكون حاملًا، فعدتها أن تضع حملَها، وإما لا، فتكون عدتها أربعة أشهرٍ وعشرة أيام، أي ما يعادل (130) يوما.

وينبغي أن تكون ساعات عمل المرأة العاملة أقل من الرجل بحيث لا تتجاوز ست ساعات يوميًا. وأن تكون في الفترة الصباحية، وإن كانت في الفترة المسائية، تنتهي في الساعة العاشرة مساءً كحد أقصى. وهذا قد يساعد على إقبال كثير من النساء على الوظائف، ويسهم في التقليل من نسبة البطالة بينهن.وينبغي أيضًا أن تتمتع المرأة بيومي إجازة في نهاية الأسبوع، ويُفضل أن يكونا يومي الجمعة والسبت، لتوافقها مع الإجازة الأسبوعية لأسرتها.  

قد تكون هذه الحقوق والمزايا موجودة في بعض الجهات، وقد يكون لبعضها تشريع في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، لكن المأمول من المسؤولين إيجاد لوائح وأنظمة واضحة ومحددة، أو تعديل لائحة الإجازات بحيث تتضمن موادَّ مخصصة لإجازات النساء العاملات وفق ما ذُكر آنفًا، ومساواة إجازات النساء العاملات في القطاع الخاص بإجازات مثيلاتهن في القطاع العام، ووضع آليات وإجراءات تضمن التزام جميع الجهات بتطبيق هذه اللوائح والأنظمة.

ووفقًا لدراسة «تأثير عمل المرأة على استقرار الأسرة من وجهة نظر الزوجين»، لعدد من الباحثين، فهناك إيجابيات لعمل المرأة، لذاتها ولأسرتها ولمجتمعها، لكن هناك سلبيات قد تؤثر على استقرار الأسرة. ويمكن تجنب تلك السلبيات أو التخفيف منها لو بالأخذ بعين الاعتبار مراعاة طبيعة المرأة، ودورها الأساسي في بناء الأسرة والمحافظة عليها. فسن مثل هذه اللوائح والأنظمة يساعد المرأة العاملة على تحقيق التوزان بين واجباتها الأسرية ومهامِّها الوظيفية؛ مما ينعكس بالإيجاب على استقرار الأسر، وبالتالي على استقرار المجتمع، لأن الأسرة لبنة أساسية من لبنات المجتمع.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org