"يا مسهل اللعب على المخيلة!.."
العنوان بالأعلى مَثلٌ عاميٌّ شهيرٌ بمنطقة عسير، وتحديدًا في محافظة النماص وضواحيها، ويُقال ردًّا على مَن يستسهل أداء لونَي العرضة أو اللعب الشعبيَّين في الاحتفالات أو المناسبات وهو جالس يشاهد من الخارج على المقاعد أو بالمدرجات. والمغزى أن ذلك الشخص لو كان موجودًا بالميدان لعلم صعوبة أداء تلك الفنون التراثية، ولم يستسهلها مطلقًا.
أما عن سر تذكُّر المثل واستحضاره حاليًا فالسبب باختصار يعود لخبر قرأته هنا بصحيفة "سبق"، ورد فيه أن "صندوق التنمية العقارية يدعو 47 ألف مستفيد للإسراع لتحديث مراحل بناء منازلهم، وإثبات البدء فيها خلال المدة الزمنية المحددة بثلاث سنوات، وذلك قبل نهاية شهر يونيو الجاري".
إلى هنا والموضوع معقول ومنطقي جدًّا للتثبت من بدء بناء المستفيدين مساكنهم، ممن حصلوا على القروض، لكن الأمر غير المعقول ولا المنطقي هو ما جاء لاحقًا في ثنايا الخبر: "وأوضح الصندوق من خلال متحدثه الرسمي أنه منح مستفيدي البناء الذاتي، ممن أكملوا ثلاث سنوات من توقيع عقودهم التمويلية، وقاموا بإجراءات التحديث، وأثبتوا البدء بالبناء ولم يكملوا، مهلة إضافية لمدة 6 أشهر، بشرط ألا تتجاوز مهلة إكمال البناء ثلاث سنوات ونصف السنة". وقد كان هذا لب الموضوع الذي قصدناه، ومصدر الغرابة الذي بالمثل الجنوبي استحضرناه وربطناه؛ فالإخوان في الصندوق العقاري -دلهم الله لكل خير- يشترطون إنهاء البناء خلال 3 سنوات فقط، مع منح مهلة إضافية لمدة ستة أشهر فقط لمن استطاع تحديث البيانات، وأثبت البدء بالبناء، وإلا فإن الدعم سيتوقف. وهذا -من وجهة نظري، ومن خلال متابعة شخصية للموضوع- صعبٌ جدًّا، وبه تعجيز وتعقيد كبيران للمستفيدين؛ بل إن الكثيرين لم يكونوا يعلمون بهذا الشرط، وقد يكون جهلا ًمنهم بقراءة الشروط كاملة، أو لعدم توقُّع وجوده بالأصل، خاصة أن هذا القرض يرونه حقًّا أصيلاً لهم، وقد جاء من الأساس تحت اسم "القرض المدعوم"، ولكونه أيضًا قد جاء بديلا ًوتعويضًا عن القرض المعروف القديم، الذي كان بدون أية فوائد!
ومن هنا فما قد يراه الصندوق العقاري -من وجهة نظره- سهلاً ومريحًا من خلال مدة 3 سنوات يجده المستفيدون على العكس تمامًا، وعلى وجه الخصوص بالسنوات الثلاث الأخيرة، التي لو قسنا عليها مثلاً لوجدناها قد شهدت تغيرات عدة، أسهمت في تعطل وتيرة البناء، لعل من أبرزها ما طرأ على أسعار الحديد ومواد البناء من ارتفاعات هائلة بالعام الماضي، وتحديدًا مع بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو أمر لا يخفى على أحد إلا ربما على الصندوق العقاري نفسه. وقبل ذلك -أي بالعام الذي سبقه- كانت تداعيات كورونا وقيودها لا تزال تضرب بأطنابها على العالم أجمع. هذا بخلاف دخول اشتراطات الكود الجديدة المكلفة على الخط في الفترة ذاتها. كل ذلك ألقى بظلاله، وأجبر الكثيرين على تأجيل البدء بالبناء، بل إن مبلغ القرض (الـ 500 ألف ريال) لم يعد كافيًا حاليًا لبناء دور واحد على الأقل. ثم بعد كل هذا يجد من تهيأت له الظروف المناسبة لبدء البناء بالعام الحالي نفسه قد أصبح في العام الأخير للمهلة؛ وهو ما يجعله مهدَّدًا حاليًا بإيقاف الدعم. وقد أصبح الأمر الآن هاجسًا وكابوسًا مرعبًا ومزعجًا، يطارد الكثيرين، ويجعلهم يطالبون بسرعة تدخُّل الجهات المعنية، والنظر بعين الإنصاف والمساعدة، وإيجاد مخرج لذلك الشرط المجحف، سواء بنقضه أو بتمديده على الأقل.
الأمر لم يقتصر على طلب تحديث البيانات فقط، بل وجد المستفيدون أنفسهم مطالبين بدفع رسوم غير متوقعة، بقيمة 632 ريالاً كأجر للمقيم الفني الذي سيخرج للتحقق من البدء بالبناء؛ وبالتالي دفع رسوم إضافية، لم تكن لا في البال ولا في الحسبان؛ لتضاف لسلسلة الطلبات المادية الجديدة المرهقة التي باتت لا تنتهي، ولو توافرت -كما في حالة المقيم الفني- على الأقل لساعدت في تأمين 37 كيسًا من الأسمنت؛ وبالتالي المسارعة في إتمام البناء، واللحاق بالمهلة!!!