انتصار المملكة والعالم لإرادة الشعب اليمني
وأخيرًا، وبعد نحو تسع سنوات من الصراع الدامي، انتعشت الآمال في أن الشعب اليمني أصبح على مسافة قريبة من نهاية الحرب الأهلية؛ حيث بدأ وفد المملكة مباحثات مع الحوثيين في صنعاء، في أعقاب التطورات الإيجابية في المنطقة، وبعد توقيع اتفاق إعادة العلاقات بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وبعد نجاح الوساطة العمانية.
لقد ذهب الوفد السعودي إلى صنعاء في أجواء التهدئة السائدة بعد الاتفاق مع إيران وفي أجواء الهدوء النسبي بعد الهدنة بين الأطراف المتحاربة التي مضى عليها نحو عام. وتقول مصادر كثيرة إن الوفد السعودي سوف يتمكن من التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين لإعلان مكتوب بهدنة دائمة تمهّد الطريق للتوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمة التي قادت اليمن إلى حالة من الفوضى غير المسبوقة، وأدت إلى عدم الاستقرار في المنطقة، وحتى تهديد منافذ تجارة الطاقة العالمية، وإغراق الشعب اليمني في الفقر والمجاعة؛ حيث تشير إحصائيات المنظمات الدولية إلى أن 17 مليونًا من بين 21 مليونًا من الشعب اليمني يعيشون تحت خط الفقر.
في الماضي، كان المفاوض الحوثي يشارك في المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة ومبعوثوها أو بعض الدول الخليجية؛ للمساومة من أجل تحقيق ما يستطيعون من المكاسب وتقديم القليل من التنازلات. وكانوا يُصِرّون على فرض شروطهم المسبقة التي تمسكوا بها، وهي ما أطلقوا عليه "إغلاق الملف الإنساني"؛ أي رفع جميع القيود المفروضة على حركة المرور من وإلى مطار صنعاء وميناء الحديدة، ودفع رواتب جميع موظفي الدولة؛ بما في ذلك الأجهزة العسكرية والأمنية في اليمن وفي المناطق التي يسيطرون عليها؛ بل وصل بهم الحد إلى مطالبة المملكة بوقف دعم الحكومة الشرعية عسكريًّا وسياسيًّا كثمن لإنهاء الحرب التي كانوا هم من تسبب بها من خلال الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة بدلًا من الاحتكام للعبة الديمقراطية.
وقد ظل الحوثيون يروجون أنهم يخوضون حربًا مع المملكة بينما في الحقيقة أنها تدخلت في الحرب وقادت قوات التحالف العربي بناء على طلب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا.
منذ بداية الوساطات، حرصت قيادة المملكة على إفشال محاولات الحوثيين لإظهار أن الصراع بينهم وبين المملكة وليس بين اليمنيين أنفسهم؛ ولهذا أوضحت قيادة المملكة أن أي تفاهمات مع الحوثيين ليست بديلًا عن تسوية سياسية متعددة الأطراف بين اليمنيين أنفسهم برعاية الأمم المتحدة ولا تستثني أحدًا. لقد كانت قيادة المملكة حريصة على وقف الاقتتال الداخلي اليمني وتقريب وجهات النظر وتشجيع الحكومة الشرعية على التهدئة والتوصل إلى حلول، ولهذا جاءت مبادرة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عام 2011 لإنهاء الحرب والتوصل إلى حل سياسي شامل والتفرغ لإعادة بناء اليمن الذي أنهكته الحرب وفقًا لبرنامج المملكة الذي أطلقته في عام 2018.
لقد سَبَق ذهابَ الوفد السعودي إلى صنعاء ولقاءه زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، اجتماعاتٌ مكثفة مع أعضاء مجلس قيادة الرئاسة اليمني ورئيس الحكومة اليمنية في الرياض؛ لبحث جهود إحياء مسار الحل السياسي السلمي برعاية الأمم المتحدة. كما عُقِدت لقاءات بين مسؤولين يمنيين ومسؤولين من مجلس التعاون الخليجي والصين والولايات المتحدة، ورحّبت إيران بلقاء الوفد السعودي مع الجانب الحوثي وأعلنت دعمها لجهود السلام في اليمن المنهك من الحرب.
ويتوقع مراقبون كثيرون أن يتمكن الطرفان من تمديد هدنة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وفتح المنافذ البرية والبحرية؛ تمهيدًا لإيجاد صيغة مشتركة وملزمة لحل سياسي شامل لا يستثني أحدًا من مكونات الطيف السياسي اليمني تحت رعاية الأمم المتحدة.
إذا ما تم التوصل إلى اتفاق، ستكون المملكة مستعدة لإنهاء عمليات التحالف العربي، ومساعدة اليمنيين على حل مشكلاتهم، والتشارك في ممارسة الحكم، والعمل يدًا بيد لإعادة بناء بلدهم المدمر واقتصادهم المنهار.
إن من شأن الاتفاق المرتقب أن يعيد تأهيل اليمن سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ليعود اليمن السعيد كما عرف في العصور الغابرة من خلال استثمار ثروته البشرية والزراعية والسمكية والسياحية والنفطية.
وإذا ما خلُصت النوايا؛ فإن اليمن سوف يعود إلى ممارسة دوره البنّاء في محيطه العربي بدلًا من التقاتل والتناحر الذي تَسبب في فظاعات لا توصف، وأوقف حركة البلاد نحو التقدم، ووضعها في ذيل الدول النامية؛ لذلك فإن هذا البلد يستحق من جميع أبنائه أن يتحدوا مرة أخرى لإعادة بنائه بعدما جربوا تدميره وتخريبه. وسوف يجدون المملكة تقف إلى جانبهم بكل إمكانياتها؛ لمساعدتهم في عملية البناء وتجاوز أحقاد الماضي.
شهر رمضان يحمل معه دائمًا وعود الخير والرحمة، ونأمل أن يحمل عيد الفطر بشرى السلام لليمن الذي طال انتظاره.