إدارة المعرفة والتميُّز الإعلامي

تم النشر في

إحدى أهم الإستراتيجيات التي يتبناها أي قطاع يبحث عن التميُّز في أعماله، هي تفعيل تطبيقات إدارة المعرفة، وهذا التوجّه تسعى إليه قطاعات المملكة العربية السعودية كافة، ومن ضمنها قطاع الإعلام، أسوة بالمؤسسات العالمية التي شرع كثيرٌ منها في استحداث وحدة تنظيمية لإدارة المعرفة، لدعم تحسين الأداء وتطوير المحتوى الإعلامي الذي تنتجه.

وتُعرف إدارة المعرفة بأنها «مجموعة العمليات التي تتم داخل المنظمة، بحيث تساعد على إيجاد المعرفة، وتوليدها، وتنظيمها، ثم المقدرة على نشرها، وكذلك القدرة على كسب الخبرة الجماعية ومشاركتها، واستخدامهما في الأنشطة الإدارية المختلفة، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات».

فإدارة المعرفة تؤدي إلى تعظيم كفاءة استخدام رأس المال الفكري، وذلك بربط أفضل عقول الأفراد عن طريق المشاركة الجماعية والتفكير الجمعي، فهي عملية مستمرة ومتفاعلة لإدارة مخازن المعرفة في المنظمة وتفعيلها وتوظيفها في تحقيق أهدافها من خلال مراحل عدة، تتمثل في اكتساب المعرفة، وتخزينها، ونقلها، وتطبيقها؛ فهي تتعامل مع البشر بخلاف إدارة المعلومات التي تتعامل مع الأشياء، لذا تهتم بالتفكير النقدي والابتكار والعلاقات والأنماط والمهارات والتعاون والمشاركة، فهي تدعم وتساند التعلُّم الفردي وتعلُّم المجموعات.

وتسهم تطبيقات إدارة المعرفة في القطاعات الإعلامية في تحقيق أهدافها «من خلال تحسين قدرتها على إيداع المعرفة واستخدامها في اتخاذ القرارات وحل المشكلات التي تعيق تحسين أدائها المهني، وتعمل على تطوير محتواها الإعلامي، وزيادة قدراتها التنافسية في سوق العمل الإعلامي المحلي والإقليمي والعالمي».

هناك متطلبات لا بد من توافرها لصناعة محتوى إعلامي طموح وفريد ومنافس، وتتمثل هذه المتطلبات في متطلبات تقنية وفنية مثل الكمبيوتر والإنترنت، ومتطلبات اقتصادية تخدم الاستثمار في الإعلام، ومتطلبات سياسية تخدم الغايات السياسية للبلد وتخدم مصالحه الوطنية، ومتطلبات إدارية تتبنى إدارة المعرفة أولاً، ثم تكون قادرة على ترجمة الأهداف والإستراتيجيات لتحقيق النجاح.

وللاستفادة من تطبيقات إدارة المعرفة في أنشطة القطاعات الإعلامية ومحتواها، ينبغي توافر إستراتيجيات أربع: أولاها؛ إستراتيجية محدّدة لتطبيق إدارة المعرفة، تتمثل في إيجاد إطار للتواصل ما بين صانعي المحتوى والقائمين بالاتصال، بحيث يكون هناك تبادلٌ للمعرفة والخبرات بينهم، يقود إلى الإبداع في حل المشكلات، وفي صناعة المحتوى الإعلامي وتطويره.

وثانيتها؛ ثقافة مؤسسية تدفع نحو تطبيق إدارة المعرفة، بحيث تكون القيم الثقافية والمعتقدات السائدة ملائمة لمبادئ إدارة المعرفة ومتوافقة معها، ومحفزة لفريق العمل، للمشاركة الجماعية، وتقبُّل التغيير، وقبول التكنولوجيا الحديثة، وتهيئتهم وحثّهم على مشاركة ما لديهم من معرفة لزملائهم، والاستعداد لاستثمار إدارة المعرفة.

وثالثتها؛ رأس مال بشري قادر على تطبيق إدارة المعرفة؛ لأنه من خلال الكوادر البشرية -من صانعي المحتوى والقائمين بالاتصال- تستطيع المؤسسة إيجاد المعرفة واستخدامها ومشاركتها؛ لذا ينبغي للمؤسسة العناية بما لديها من كوادر مميزة واستقطاب المميزين، وأن تحرص على توافر خصائص عدة فيهم، منها: المثابرة والإتقان، والتمتع بالثقة العالية، وتحمُّل المخاطر والأخطاء، والمبادرة بالإبداع والابتكار من خلال تقديم الأفكار البنّاءة، والحرص على التعلُّم والتطوير.

رابعتها؛ بنية تحتية تقنية ملائمة لتطبيق إدارة المعرفة، فهذه التقنية تسهم في سرعة الوصول إلى المعلومة، وتخزينها، وتنظيمها، ونشرها، وتوفير بيئة صحية للمشاركة والتعلُّم، من خلال تطبيقات تكنولوجيا المعلومات المستخدمة في إدارة المعرفة، مثل شبكة الإنترنت، والشبكة الداخلية، والبريد الإلكتروني، وبرامج إدارة الوثائق، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتشير بعض الدراسات «إلى أن التقنيات المستعملة لدى كثير من المؤسسات العاملة في قطاع الإعلام السعودي، تعد من أحدث ما هو متوافرٌ في أسواق الدول الصناعية، وبذلك تعد المملكة من أولى الدول العربية استعمالاً لهذه التقنيات في عملية صناعة المحتوى الإعلامي ونقله وتوزيعه أو بثّه بين الجماهير في الداخل والخارج».

وينبغي للقائمين على قطاع الإعلام السعودي، إدراك أن إدارة المعرفة وتطبيقاتها أصبحت من «الضروريات العملية والإدارية والمهنية، نتيجة لما قد يواجه هذا القطاع من تحديات كبيرة نتيجة التغيرات التكنولوجية والديناميكية الرقمية الهائلة التي تطرأ على بيئته من حين لآخر، إضافة إلى جملة التطلعات المتغيرة للمستفيدين من خدماته من الفئات الجماهيرية العريضة كافة داخل المملكة وخارجها».

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org