مَنْ غيَّب الإعلام عن منجزات الوطن؟
مع بشائر المنتدى السعودي للإعلام في نسخته الجديدة تابعتُ المحاور والندوات المقرر عقدها إلا أنني فوجئت بتغييب محور مهم عن دور الإعلامي في إبراز المنجزات الوطنية؛ فللأسف خلال السنوات الماضية لاحظتُ كغيري عدم إبراز النشاطات اليومية المهمة في بعض الوزارات، والهيئات، والجهات الحكومية أو شبه الحكومية الأخرى؛ فلم أجد لها ما يوضح أعمالها، وبخاصة في وسائل الإعلام الرسمية من وكالة الأنباء السعودية "واس"، أو الصحف الورقية ومواقعها، أو حتى الصحف والمواقع الإخبارية ذات الحضور والتأثير.
وأعتقد أن السبب الرئيسي هو اعتماد معظم الجهات الحكومية في الفترة الأخيرة في أعمالها الإعلامية على شركات العلاقات العامة دون رقابة حقيقية ومتابعة من الجهة المعنية في الوزارة؛ وهو ما أثر بالسلب في تجويد المحتوى، وصناعة الخبر، وبناء المادة بشكل ملائم، يوثق لتطور المراحل السعودية، ويبرز النشاطات التي تبذلها القطاعات الحكومية بشكل علمي، وتوثيق يليق.
ولعلي هنا لا أذكر جديدًا عندما أقول إن معالي وزير الإعلام سلمان الدوسري أتى من ميدان الصنعة الصحفية؛ ولذلك يدرك أهمية المادة الصحفية في وسيلة إعلام رسمية؛ إذ تتناقلها الصحف والمواقع الدولية، ووكالات الأنباء العالمية، وتبدأ بتحليلها، ودراستها، واستنباط التوجهات العامة للدولة، وتغييب هذه النشاطات اليومية من خلال كوادر إعلامية، معظمها من قليلي الخبرة، ترى أن بثها في وسائل التواصل الاجتماعي دون الاهتمام بنشرها وتوثيقها في وسائل الإعلام الرسمية، مثل "واس" أو التلفزيون الرسمي، أمرٌ يحتاج إلى إعادة نظر من قِبل جميع الوزارات والهيئات الحكومية؛ فالكثير من هذه النشاطات التنموية اليومية يضيع وسط إعلام أشبه بالوجبات السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وللتدليل على أهمية نشر هذه النشاطات والمشروعات التنموية وتوثيقها، من خلال وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، لنعمل بحثًا من خلال محركات البحث والأرشيفات الإخبارية عن أخبار وتقارير صحفية، نُشرت في "واس" مثلاً قبل سنوات عدة، وسنجدها بسهولة وسرعة، وفيها معلومات دقيقة وموثقة بالصور، ولكن عندما نبحث عن أنشطة ومشروعات حديثة (لا أتحدث عن الكبيرة والمعروفة) لا نجد لها أي معلومة أو توثيق؛ والسبب يعود إلى أن الشركة الإعلامية التي تعاقدت معها "الوزارة الفلانية" لم تهتم بهذا التوثيق والنشر من خلال وسائل الإعلام الرسمية، مثل "واس" والتلفزيون الرسمي، بل اكتفت بنشر صورة هنا، أو مقطع صغير، لا يحوي أي معلومة في "سناب" أو "إنستقرام" مثلاً، وينتهي الأمر عند هذا الحد؛ وبالتالي تختفي المعلومة أو الخبر المهم عن الإنجاز التنموي أو المشروع المهم خلال 24 ساعة فقط.
وحين أبحث لأغراض صحفية أو بحثية عن تطوُّر ومتابعة المشاريع الوطنية في بعض الوزارات والهيئات لا أجد ماذا تم، وماذا بقي؟
أعلم أنها تمضي في مؤشرات أداء لكن تبقى مغيبة عن المجتمع المحلي والدولي، من خلال مواد صحفية، تشمل الخبر، والتقرير، ورصد تطور المشاريع.. فهل أصبح هناك ندرة في الصحفي المحترف؟ وهل همشت شركات العلاقات العامة جهود الدولة؟.. فمن متابعتي لبعض ملفات الرصد الإعلامي وجدتهم يعتمدون على الكم لا الكيف، وعلى وسائط النشر السريعة واللحظية فقط، ولا يهتمون لحجم وسيلة النشر ومكانتها ومصداقيتها أمام المتلقي.. وكما هو معروف، إن مصداقية ودقة وسائل النشر الرسمية، مثل وكالة الأنباء، لا يمكن أن تقارن بمقطع ينشره صاحب "سناب" مثلاً، لا ينشر إلا لمن يدفع، وهذا حقه.
أرجو أن يكون هذا المنتدى باكورة لإعلان برنامج وطني لدعم النشر، وتوثيق مسيرة تجديد السعودية، ووضعها في مراتب عليا، تتعاون فيه وزاره الإعلام مع التواصل الحكومي، إضافة للجهات الإعلامية الرسمية، كوكالة الأنباء السعودية، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، ووسائل الإعلام كافة المملوكة للسعوديين؛ إذ يكون النشر والبث فيها مؤشرًا رئيسيًّا ضمن مؤشرات الأداء للوزارات والهيئات التابعة لها، وكذلك للبرامج الوطنية لتحقيق رؤية السعودية 2030، إضافة إلى تنوعها، وتتابعها، ودقة أرقامها، وتعدُّد مصادرها.. فنحن نمضي إلى مستقبل ينبغي أن يتشارك الجميع في صناعته، أكبر من تنافس لصناعة إعلان لمناسبة، وينتهي تأثيره مع آخر ساعة من يوم المناسبة.
خيارنا الوحيد واللازم الاستناد إلى إعلام قوي مؤثر، وإلى صحافة متجددة عميقة المحتوى، وتعزيز حضور وسائل إعلامية، تمتلك الانتشار والتأثير والوصول للقارئ والمتابع المحلي، ثم لمثيله دوليًّا، الراصد للحراك السعودي.