حقيقة يجهلها الكثيرون، وعجز عن تفسيرها المفكرون، ويُكذِّبها الفاشلون، ويؤمن بها الناجحون.. حقيقة جميعنا يتمناها، وقليل منا سيصل لمنتهاها.. حقيقة لن يحصل عليها إلا شخص سيؤمن بما سأكتب بكل مشاعره وأحاسيسه. ونصيحتي لك عزيزي القارئ إن لم تقدر الآن على تحفيز الـ18 مليون خلية في عقلك، المسؤولة عن توجيهك للإيمان بما سأكتب، أو إن كان في قلبك ذرة شك في صدق ما سأكتب، أن لا تهدر وقتك في محتوى لن تستفيد منه؛ لأن أساس ما سأكتبه قائمٌ على مستوى عالٍ ومتقدم من الإيمان وإحسان الظن.
قبل البداية هنا سؤال مهم لك يا أيها القارئ: هل أنت مستعد لتصديق ما سأكتب لك؟؟ إذا كانت إجابتك بـ"نعم" فأنت مستعد، وأنصحك بالاستمرار في القراءة. وإذا كانت إجابتك غير ذلك فأنصحك للمرة الثانية بأن تحفز نفسك للإيمان وإحسان الظن بما سأكتب، أو التوقف عن القراءة؛ لكي لا تعيش بسبب ما تقرؤه هنا في دوامة من التناقضات التي ستجعل منك شخصًا يحارب ذاته بتفكيره السلبي.
سؤال أخير لكل مَنْ كانت إجابته بـ"نعم"، هو: هل أنت مؤمن بقلبك وجوارحك بما أنزله الله على محمد ﷺ؟ إذا كانت إجابتك بـ"نعم" فخذ مني مفتاح الدخول لهذا العالم الذي سمعنا به، ولكنَّ معظمنا يجهل طريقة الدخول فيه وتطبيقه بالشكل الصحيح. ومفتاح الدخول لهذا العالم هو التأمل الطويل والعميق للحديث القدسي الذي قال سبحانه وتعالى فيه: "أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًّا فله".
يا أيها المخلوق الصغير في هذا الكون الفسيح تأمَّل معي جيدًا كل كلمة في الحديث أعلاه. فالله جل في علاه، القادر على كل شيء، يقول إنك يا إنسان تستطيع بظنك بي استجلاب الخير أو الشر لنفسك. وهذا هو الذي يطلق عليه علماء النفس مصطلح (طاقة الجذب).
الظن بالله أو ما يُطلِق عليه علماء النفس (طاقة الجذب) هو طاقة تنبع من تفكير الشخص، ويصدقها العقل، ثم تستقر في القلب؛ لتترجمها الجوارح بالأفعال والأقوال. والظن بالله يأتي بوجهين، وللأسف في الغالب يكون بوجهه السيئ الذي هو عادة للنفس البشرية؛ والدليل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...}. وهنا دعانا الله سبحانه وتعالى لاجتناب كثير من الظن، وهو السيئ. ولم يدعُنا لاجتناب كل الظن؛ لأن فيه مصطلحًا عظيمًا، قليل منا الذي يعرف استخدامه، هو حُسن الظن بالله.
أنا متأكد أن جميعكم قد تنبأ بوقوع حوادث سيئة في حياته، وبالفعل حصلت له في الواقع. ومتأكد أن جميعكم سبق أن تنبأ بالعكس، وحصلت له أمور جميلة وحميدة. ومن يعتقد أن ما يحصل له محض مصادفة فهو مخطئ، ولكن ما يحصل لك هو ترجمة للطاقة التي تُصدرها من ذاتك؛ لذلك نسمع دائمًا بين أوساط مجتمعنا مقولة "فال كان".
وهنا اجتهاد شخصي، وفيه سوف أحاول أن أُسهِّل عليك تطبيق مفهوم حُسن الظن بالله، الذي لن يكتمل بدون تطبيق هذه الخطوات الثلاث، هي:
١- أن يكون ما تريد إما لجلب خير أو لدفع شر، ولا يترتب عليه إضرار بأي مخلوق.
٢- أن تؤمن وتُصدِّق بكل جوارحك بأن القوي والقادر على كل شيء يقول لك إن ظننت بي خيرًا فلك ما تريد. فإذا أراد رب هذا الكون شيئًا فإن جميع مخلوقاته في هذا الكون سوف تعمل لتحقيق ما تريد.
٣- أن تشكر الله من صميم قلبك على ما أنت فيه من نِعَم. وهذا الشكر ليس باللسان وإنما باستشعار ما أعطاك الله من نِعَم، والرضا التام بها.
الله خالق كل شيء استخدم كلمة "فله" حينما قال "إن ظن بي خيرًا فله...". وهذه الكلمة أتت بصيغة المضارع. فيا مَن هو على فراش المرض هل تريد العافية؟! أحسن الظن بربك وقل "أنا في ظل رب رحيم، وعافيتي بيده وحده، وأنا الآن أشعر بالصحة والعافية". يا مَن تبحث عن المال، ويا مَن تبحث عن وظيفة الأحلام.. أحسن الظن بالله، واجعل ثقتك بالله وحده، وأعلم أن ظنك بالله نافذٌ لا محالة، ولك أن تختار أن تظن الخير أو الشر. فإن ظننت بالله خيرًا أتاك الخير ولو كنت وحيدًا، وإن ظننت بالله شرًّا أتتك الشرور حتى لو اجتمعت الجن والإنس على نفعك.