العادات (1)

تم النشر في

العادات تمثل معظم حياتنا نحن بني البشر، بل في عدة أوراق بحثية تحدّثت عن أن نسبة ذلك قد تصل "40-60%" تخيل فقط!

لذلك تمثل عاداتنا أساسًا مهمًّا وتكوينًا رئيسيًّا في سير حياتنا، بل إن معظم قراراتنا في الحياة تنشأ عن هذه العادات دون جهد، رغم ذلك قد تُمثل العادات لعنة "ممارسة العادات السيئة" بقدر ما تمثل فائدة "ممارسة العادات الإيجابية".

بداية.. لا بد أن نفهم حلقة تكون العادة، ولا بد لها من ثلاث أساسيات: الدليل وهو ما يخبر أدمغتنا بالانتقال إلى العادة التي يجب استخدامها، ثم الأمر الروتيني وهو ما يشكل الجهد البدني أو العقلي أو العاطفي، ثم الجائزة وهي التي تساعد الدماغ على معرفة ما إذا كانت هذه الحلقة "العادة" تستحقّ التذكر في المستقبل أم لا.

تحدث المؤلف الأمريكي "تشارلز دويج" في كتابه "قوة العادات"، عن كيف أنه من الممكن لنا تغيير حياتنا إلى الأفضل عن طريق فهم حلقة تكون العادة، وكيفية السيطرة عليها من خلال فك شفرة هذه الحلقة؛ فهي تتكوّن بتكرار هذه الحلقة، ثم تُخزن في تراكيب المخ الداخلية، وتتجسّد حياة الإنسان وشخصيته حتى دون أن يدرك ذلك.

إن العادات في حقيقتها لا تختفي، ولكن تُشفر في تراكيب المخ "العقل اللاواعي، أو العقل الباطن"، وهي ميزة هائلة لنا، وإلا لوجدنا صعوبة فائقة في التعلم؛ مثلًا تعلم القيادة من جديد بعد التوقف عنها لفترة من الزمن، هذا ينطبق أيضًا على كل ما نقوم به في حياتنا، وتكمن المشكلة في أن المخ "العقل الباطن" لا يستطيع أن يُفرق بين العادات الجيدة والسيئة، وهذا ما تحدّث عنه المؤلف الأمريكي "جوزيف ميرفي" في كتابه "قوة عقلك الباطن"، وهكذا إن كانت لديك عادة سيئة فسوف تظلّ كامنة في مخّك تنتظر الدليل والجائزة المناسبة؛ لذلك يعاني على سبيل المثال أولئك المدخنون في التخلص من هذه العادة السيئة، ويعود الكثير منهم حتى بعد إقلاعهم عنه لفترة طويلة؛ وذلك لأنها لا زالت موجودة في أدمغتهم، لكن ما يميز العقل الباطن هو أنه قوي جدًّا، يتذكّر كل شيء، يتبنّى الفكرة ويصدقها ويعتمدها ويؤثر بها على شخصك؛ لذلك تتحدّث كُتب تطوير الذات بإجماع على ترديد الكلمات الإيجابية باستمرار؛ كقولك لنفسك مثلًا: "أنا ذكي"، أو أي عبارة كانت حتى لو كنت غير مؤمن بها، المهم تكرارها، وسيتم تخزينها في عقلك الباطن "اللاواعي"، وستتغير بها حياتك، الأمر ذاته سيحدث عند تكرار عبارات التشاؤم والحُزن؛ لذلك قد يُسعدك وقد يكون سبب تعاستك.

وكما قال المؤلف إسلام جمال في كتابه "فاتتني صلاة": إن عقولنا عبارة عن مزرعة؛ فكلٌّ منا يزرعها بما أراد، إن أراد شتلات السعادة والطمأنينة، وإن أراد الحُزن والتعاسة.

ولكن كيف نسيطر أو نغير تلك العادات أو بالأحرى حياتنا؟

ذكر المؤلف "تشارلز دوي" أن ذلك يكون بالسيطرة على حلقة العادة بإجبار تلك الاتجاهات السيئة مثلًا بالعودة إلى الخلف، وعدم تكرارها، ومضايقة تلك المسارات التي نشأت بسبب هذه العادة السيئة بمسارات لعادات إيجابية وتبنّي عادات نرغب في اكتسابها.

لذلك تمثل حلقة العادات نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، بل لو لم تكن لتوقفت عقولنا عن العمل بسبب كثرة التفاصيل الدقيقة للحياة والتحليلات والاستنتاجات إلى تتطلّبها ممارسة أي عادة.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org