كيف نحمي أطفالنا من العلاقات السامة؟
العلاقات الإنسانية معقدة، متعددة، ذات تفاصيل وخبايا لا نهائية، ولكل منا طريقة في التواصل، ودرجة مختلفة من التعلق بمن نحب ونألف.. فالبعض يتشبث بالآخرين بدرجة مبالغة، وعلى النقيض نجد من يخشى الارتباط، ويخاف من الاقتراب.
علاقات حب تتملص خلف جدران التعلق، وتنتهي بشكل مغاير لما بدأت به.. أطفال يخافون الاختلاط، ويتعلقون بأمهاتهم لدرجة الالتصاق!
فما هو السبب الجذري لكل تلك الخطوط المتشابكة؟ ولِمَ هذا السيناريو المتناقض لكل فرد؟
ماذا لو تتبعنا بداية الخيط؟ حيث أول علاقة يعرفها الإنسان، وأول شخص يرتبط به على الإطلاق، فمن هنا تبدأ الحكاية لكل تلك الخرائط الإنسانية.
إنها علاقة الطفل بأمه، نقطة الارتكاز والخريطة الذهنية التي تطبع في ذاكرة الإنسان، وتصبح الدليل الخفي والحساس للعلاقات القادمة في حياته بأكملها!
والمخيف أن أي عطب في تلك الوصلة يجر الكثير من "الكلكعة" والمطبات والمنزلقات في شكل العلاقات وتصميمها، ومفهوم الشخص عنها، وأسلوبه الخاص في إدارتها.
إن حماية أطفالك من العلاقات السامة المؤذية من خلال بناء نفسي قوي لذواتهم. وهنا سأركز على الأسس الرئيسية والجوهرية لها، التي يحتاج إليها الفرد في علاقته مع والدته، أو مقدم الرعاية الأول والأساسي في سنواته الأولى؛ حتى يغدو راشدًا سويًّا، لا ينخرط في علاقات سامة بدون وعي ولا إرادة.
- تغذية الشعور بالأمان من خلال الوجود، والغياب المفهوم والمبرر إن وُجد.
- تلبية الاحتياج للأكل والشرب والنوم دون البكاء ساعات طويلة.
- نمط العطاء المنتظم بدون إفراط ولا تفريط.
- الحب اللامشروط للطفل وتقبُّله بشكله وشخصه وجنسه وشخصيته.
- الاستمتاع بالوقت برفقته، والإفصاح له عن ذلك.
- الحضور والانتباه خلال الوقت النوعي.
- الإشباع العاطفي بالحب بالكلمات والأفعال واللمس.
- التقدير والانتباه لذاته وجهوده وأفكاره ومشاعره.
- الثقة بأفعاله وقدراته، وتقدير مجهوداته البسيطة.
- احترام الخطوط الحمراء لمشاعره، والابتعاد عن ابتزازها لغرض تحسين سلوكه.
إن اختلال أي عنصر مما سبق من قِبل الوالدين هو عامل خطورة؛ يهدد البنية التحتية لتلك الوصلة التي تعتبر اللغة الأساسية للبرمجة التي ينشأ عليها العقل، ويعتادها، ثم يسقطها مستقبلاً على كل العلاقات التي تدخل حياته في المراحل التالية من عمره.
ومن هنا تبدأ المشاكل..
فثمة عطب يؤدي للتعلق المَرضي، وعطب يؤدي للخوف من الارتباط وعدم القدرة على الثقة بالآخرين، أو الإرضاء المبالَغ، وغيرها من الأعطال التي يصعب تجاوزها لاحقًا؛ إذ تجر صاحبها لدهاليز نفسية عميقة.
عزيزتي الأم، عزيزي الأب.. إن طريقة تعاملك مع أطفالك سيرسم حدودًا صلبة لحماية ذواتهم في علاقاتهم المستقبلية بإذن الله؛ حتى ينهلوا منها باعتدال، ويقدموا فيها بتوازن، ويستمتعوا بها، ولا يتعلقوا بالأشخاص حد الأذية والسمية القاتلة ببطء.
لستُ هنا أطالب بالكمال؛ فقد يحدث اختلال في التربية لظروف قهرية أو جهل أو خطأ، ولكن يجب إصلاحه فورًا، والتعويض ما استطعت إليه سبيلاً.
وأخيرًا الاستعانة بمتخصصين إن ضاعت الوجهة، وصعبت عليك الرؤية.
إن رقعة الأذى تتسع وتزداد تشابكًا بين الأجيال، كما تؤثر كل منها على بعض. تخيل معي لو كانت البداية مشوهة ومصابة بعطب كيف سيكون التأثير على تسلسل العلاقات ذاك؟!
لذلك فالأولى الإصلاح، وأن تبدأ مبكرًا؛ فلا تزال الأمور في نطاق ضيق.
العلاقات هي جوهر الحياة، ومن أقوى المؤثرات على الإنسان، ومن هنا جاء خطر التعلق الذي يُمرض أشخاصًا، ويؤذي آخرين.. عندما يصبح الشخص مسجونًا في سجن ينسجه بأفكاره ودوافعه المشوهة؛ فهو يتوهم الحب وهو في الواقع أبعد ما يكون عنه، وقد يكون أسيرًا في علاقة سامة، سمح فيها للآخر بابتزازه، وتعدي الخطوط الحمراء؛ لأنه لم يعتد على وجودها أصلاً، ولم يعتد على وجود من يقبله كما هو، فيصير بلا وعي، يتشبث بمن يؤذيه مخافة الإقصاء والرفض.
إن من يسعى بشكل مبالغ لإرضاء الآخرين، ويفرح أكثر من اللازم عندما يتلقى اهتمامًا، ويبالغ بالشكر حد الشعور بالذنب لما نال من تقدير واهتمام، هو شخص لديه آثار علاقة غير سوية مع أمه، لم يستطع تجاوزها.
ما سبق بكل بساطة متعلق بنظرية Attachment Theory، التي ترتكز على أهمية العلاقة المركزية للإنسان بأمه بالدرجة الأولى، والإشباع المتحقق في نفسه من هذه العلاقة المحورية المتفردة.
قل لي كيف كانت علاقتك مع مقدم الرعاية الأول لك أقُل لك كيف أنت في علاقاتك.