الأمير محمد.. و"رياح السلام"

تم النشر في

أشرتُ في مقالي السابق "الإسلاموفوبيا واستهداف السعودية" إلى أن السعودية تواجه منذ عقود حربًا إعلامية وسياسية شرسة، وغاية في الخبث والمكر؛ لتشويه صورتها وشيطنتها، وصناعة الخوف والكراهية تجاهها من خلال صناعة الإسلاموفوبيا.

وأشرتُ إلى أن ذلك يتم من خلال منظمات وشبكات تعاون معقدة، تعمل بالتنسيق مع مؤسسات إعلامية عالمية، وقطاعات سياسية حكومية، ووكالات استخبارات في العديد من الدول الغربية، وغيرها.

كما اخترقت تلك المنظمات بكل جدارة السينما والدراما العالمية؛ لتستخدمها كأحد أقوى الأسلحة الناعمة في تشويه الإسلام والسعودية على حد سواء.

كما لا ننسي أن النجاحات التي بدأت تحققها رؤية 2030 داخليًّا وخارجيًّا أزعجت تلك الصناعة، وجعلتها أشد ضراوة وحقدًا؛ فهي لن تظل صامتة لخروج دولة إسلامية عربية لتتميز عالميًّا.

وفي منظور آخر نحو رؤية 2030 يشير سمو ولي العهد في افتتاحيتها إلى أنه يريد للسعودية أن تكون دولة قوية مزدهرة، تتسع للجميع، دستورها الإسلام، ومنهجها الوسطية، وتتقبل الآخر.

كما يشير سموه إلى أن للرؤية ثلاثة مرتكزات رئيسية، تشمل العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي؛ وبالتالي سيكون أمام الرؤية تحدٍّ كبير على الصعيد العالمي أمام قوة صناعة الإسلاموفوبيا.

والسؤال الجوهري الآن: ما هو الحل؟!

لا أبالغ إذا قلت إن هذه الحملات العالمية الشرسة والمقننة تحتاج إلى مواجهة تستخدم الأدوات والأسلحة نفسها، وبالقدر نفسه من الفطنة والدهاء، إن لم يكن أعلى، وفق رؤية استراتيجية وعمل مؤسسي عالمي؛ لتحسين الصورة الذهنية عن السعودية، وما يمس إسلامها.

وهنا أوجِّه دعوة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –رعاه الله- لتبنِّي مبادرة عالمية لنشر الصورة الحقيقية عن السعودية وقِيَمها وعراقتها ورؤيتها، وذلك تحت عنوان "رياح السلام"، بطرق إبداعية مبتكرة مؤسسية.

"رياح السلام" اسم لمركز عالمي نوعي مغاير لأي مبادرة إسلامية عربية أخرى؛ فهو يستخدم استراتيجيات مبتكرة، وأدوات غير تقليدية؛ لإيصال الصورة الحقيقية عن الشعب السعودي وقيادته وقيمه الإسلامية، من صور المحبة والسلام والعدل والتسامح للعالم أجمع، وتحديدًا للمجتمعات الغربية.

وستتجاوز أدوات هذا المركز مجرد استهداف النخب الثقافية والعلمية في المجتمعات الغربية وغيرها، أو الندوات والمؤتمرات وإصدار الكتب، إلى الاستثمار بشكل أعمق في استراتيجيات وأدوات القوى الناعمة التي تستطيع الدخول بعمق وسلاسة إلى عقلية المواطن الغربي وأسرته وشعبه، وغيرها من الشعوب غير المسلمة.

ومن المفترض أن ينحو هذا المركز منحى إبداعيًّا غير تقليدي، ناعمًا غير صدامي، ومن ذلك استخدام السينما والدراما العالمية للوصول للشعوب الأخرى، كإنتاج أفلام إثارة أو مسلسلات قصيرة غاية في التشويق والإبهار، مطعَّمة بالتقاليد العريقة للمجتمع السعودي النابعة من القيم الإسلامية، تُظهر التسامح والإحسان والمحبة والإيثار والتضحية في المجتمع السعودي؛ لتصل لدور السينما العالمية، والمنصات العالمية لمشاهدة الأفلام كمنصة نتفلكس.

وسيقوم المركز بإنتاج وإخراج تلك المنتجات عبر مؤسسات وبيوت خبرة عالمية، ممزوجة بخبرات محلية وإقليمية.

أما الحج فهو تظاهرة إسلامية عالمية إنسانية، لا مثيل لها في العالم بأسره؛ يجتمع فيه أطياف من البشر بصنوفهم ومشاربهم؛ وبالتالي فرياح السلام تستثمر سنويًّا هذه الفرصة الرائعة، من خلال أفلام وثائقية عالية الحرفية، وقصص إعلامية شيقة؛ لإيضاح الإسلام أمام العالم بأنصع صوره وأروع مُثله في العدالة والمحبة والتكاتف، ودور السعودية في إدارة تلك التظاهرة العالمية بكل سلام وجدارة.

أما الأطفال فهم في صلب أجندة المركز؛ يُنظر إليهم كرسل سلام مولودين على الفطرة، يمثلون المستقبل وقادته؛ وبالتالي تغشاهم "رياح السلام"، وتحتضنهم بكل محبة وإحسان.. فيعمد المركز إلى الشراكة مع بيوت الخبرة العالمية المتخصصة في الإنتاج الكرتوني؛ لإظهار حقيقة الشعب السعودي وقيمه وتسامحه بطريقة مبسطة، آية في التشويق والجمال، ننافس بها أفلام ديزني لاند وشقيقتها شركة بيكسر العالمية جودة وتسويقًا!! ويتكرر السيناريو هنا في نشر ذلك الإنتاج من خلال دور السينما العالمية وقنوات الأطفال الفضائية الغربية وغيرها.

ومن الأهمية بمكان أن يضع المركز في صلب أجندته برنامجًا متكاملاً لبناء القدرات والتدريب، ومن ذلك صناعة قيادات عالمية إعلامية وسياسية وأكاديمية متخصصة في مواجهة الحملات ضد السعودية وصناعة الإسلاموفوبيا.

وبلا شك سيستثمر المركز في الوجوه الإعلامية السعودية الواعدة المتمكنة من الحوار والإقناع والحجة، التي بدأت تظهر على القنوات الغربية.

أما استخدام منصات التواصل الاجتماعي، والتنسيق مع مؤثري تلك المنصات الأكثر شهرة في الدول الغربية، فهو استراتيجية رئيسية.

فضلاً عن التغلغل بطرق ناعمة للبرامج الحوارية الأكثر شعبية في تلك الدول، سواء الجادة منها أو الكوميدية.

كما تشمل الاستراتيجية التواصل الاحترافي المبنيّ على الأدلة والحقائق مع صُناع الإسلاموفوبيا والمنظمات المعادية للإسلام والمسلمين، وفتح حوار ونقاش معها وفق القاعدة الربانية: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.

وبلا شك، فالمفترض أن يتم كل ما ذكرته سابقًا بمنهجية هادئة وناعمة، تمتاز بالتدرج والفطنة والدهاء، مع النَّفَس الطويل.

وفي المجمل، فالمركز يتطلب تبنِّي نهج عالمي مبنيّ على البراهين (Evidence-based Approach)، واستخدام استراتيجية صناعة التأييد (Advocacy Building)، ونظريات تغيير المفاهيم في المجتمعات، بما في ذلك بناء شراكات وشبكة علاقات حيوية مع بيوت الخبرة العالمية والجامعات والمنظمات والمراكز البحثية المتخصصة، بما في ذلك المنظمات المجتمعية والمؤسسات الإعلامية الغربية.

ولا غني عن دعوتهم لزيارة السعودية، كما يحدث حاليًا، ولكن بمنهجية أكثر تأثيرًا.

الآن دعوني أقف عن الاسترسال في حلم مبادرة "رياح السلام"؛ لأكرر دعوتي لسمو قائد الرؤية ليتبناها، ويجعلها رياحًا تغشى العالم الغربي بتفاصيله، ولتصنع لديه تعاطفًا وإعجابًا وحبًّا للمملكة وشعبها وقيادتها، ولهذا الدين الإسلامي وقيمه.

لِمَ لا؟ وسموه صاحب مقولة: "نحن نملك كل العوامل التي تُمكِّننا من تحقيق أهدافنا معًا، ولا عذر لأحد منا في أن نبقى في مكاننا، أو أن نتراجع لا قدر الله".

أخيرًا، لا أخفيكم قولاً أنه من خلال تأمُّل وممارسة متعمقة (بحكم التخصص) في كيفية صنع التأثير في مفاهيم وسلوكيات الشعوب، دامت لأكثر من عقدين من الزمن، ممزوجة باطلاع على المبادرات المعنية بنشر قيم الإسلام ووسطيته، فقد وصلتُ لقناعة تامة بأن تلك المبادرة هي الطريق الأجدر والأكفأ والأكثر تأثيرًا، على أن تتم تلك الجهود كافة وفق المنظور الإسلامي الشمولي للحياة.

مع كل التقدير والشكر لكل الجهود التي تُبذل.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org