العمل في يوم الجمعة

تم النشر في

كان الناس في الماضي يعملون طوال أيام الأسبوع، فالمُزارع في مزرعته، والتاجر في تجارته، والراعي في رعيه للمواشي، ولم تُستحدث أيامًا للعطلة الأسبوعية إلا بعد ظهور المؤسسات في القرن التاسع عشر، ولقد كانت العطلة في بلادنا يوم الجمعة فقط، ثم ضم لها يوم الخميس في عام 1395ه، وفي عام 1434ه عُدلت ليكون يوم السبت عطلة بدلاً من يوم الخميس.

وتخصيص يوم الجمعة كأحد أيام العطلة الأسبوعية، ليس القصد منه تعبديًا، وليس فيه مخالفة لا لليهود ولا للنصارى، بل كان يُكره ترك العمل يوم الجمعة، كما ذكر الإمام مالك في كتابه المدونة حيث قال: «أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ الْعَمَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، كَمَا تَرَكَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْعَمَلَ فِي السَّبْتِ وَالْأَحَدِ»، وإنما ناسب أن يكون يوم الجمعة عطلة أسبوعية؛ لأن المسلمين يحتاجون فيه إلى الذهاب إلى صلاة الجمعة، والاستعداد لها بالاغتسال، والتبكير إليها، ولكن وللأسف لا نرى في وقتنا الحاضر من يستغل هذا اليوم لهذا الغرض، إلا قلة من المسلمين وأغلبهم من كبار السن الذين لا يعملون، لدرجة أنك لتجد مكانًا في الصف الأول قبل دخول الخطيب بنصف ساعة تقريبًا.

وكثير من الناس يستغلون الإجازة الأسبوعية للتنزه سواءً في مكان إقامتهم أو المتنزهات القريبة منها، أو السفر للسياحة داخليًا أو خارجيًا، أو الذهاب لزيارة الأهل والأقارب، أو إنجاز بعض المهام الخاصة التي لا يمكنهم إنجازها أيام الأسبوع، ولذا فهم يحتاجون لأطول وقت ممكن في ذلك. وبسبب حرصهم على أداء صلاة الجمعة – على الرغم أن بعضهم معذور كالمسافر - يضيع عليهم ربع مدة الإجازة الأسبوعية تقريبًا، مما يُضطر البعض لترك صلاة الجمعة بشكل متكرر وأدائها ظهرًا، وفي هذا تفريط كبير حذرنا منه المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، حيث قال «لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعِهم الجُمُعاتِ أو ليُختَمنَّ على قلوبِهم ثمَّ ليُكتبُنَّ من الغافلين».

وإذا خلصنا إلى أن تحديد أيام الإجازة الأسبوعية أمر دنيوي، تركَ النبي صلى الله عليه وسلم لنا إدارته حسب ما نراه مناسبًا، حيث قال «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»، فإنه من المناسب تعديل الإجازة الأسبوعية بحيث تكون يومي السبت والأحد، ويكون هناك فترة استراحة لأداء صلاة الجمعة لمدة ساعتين ابتداءً من الساعة الحادية عشر صباحًا، أو يكون العمل يوم الجمعة بنصف دوام ينتهي الساعة الحادية عشر صباحًا، في ظل التوجه العالمي لتقليص أيام الدوام الأسبوعي، وبهذا جمعنا بين الأمرين بطريقة مناسبة، فأصبح لدى الناس يومان كاملان لقضاء الإجازة الأسبوعية، دون أن يتسبب ذلك في حرج لهم من ترك أداء صلاة الجمعة.

وفي هذا التعديل فائدة اقتصادية مهمة ستساهم في التقليل من الآثار السلبية والفرص الاقتصادية المهدورة، المرتبطة باستمرار التباين القائم في أيام العمل الأسبوعية بين الأجهزة والمصالح والمؤسسات والهيئات داخل المملكة العربية السعودية، وبين نظيراتها على المستوى الإقليمي والدولي، مما يحقق تجانسًا أكبر بينها.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org