ونحن ننظر إلى المستقبل بعين التفاؤل والأمل، يحدث فجأة ما يعكّر صفاءنا واستقرارنا عندما يقرر أحد الواهمين القيام بعمل إرهابي وهو يعتقد بأنه يمكن من خلال هذا العمل أن يهدم نظامنا ويغيّر مجتمعنا ويفرض أفكاره علينا. كان آخر هؤلاء عبدالله بن زايد الشهري الذي فجّر نفسه عندما حاصرته قواتنا الأمنية يوم 12 أغسطس الجاري.
وقد جاء هذا الحادث بعد العمليات الإرهابية في المملكة التي خلّفت في نحو عشرين عامًا أكثر من 300 قتيل ومئات الجرحى معظمهم من المواطنين السعوديين.
إن ما يجعل هذه الأعمال الشريرة أكثر فظاعة هو أنها متعمدة، وترمي في المقام الأول إلى إلحاق الأذى بالناس الآمنين والممتلكات العامة ولا تسلم منها حتى مساجد الله.
ويأخذ الإرهاب أشكالاً متعددة وله دوافع مختلفة ولا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات في العالم. لكن أخطر أنواع الإرهاب هو الذي يكون مدفوعًا بقناعات دينية وسياسية، وقد ابتلي العالم الإسلامي بهذا النوع من الإرهاب الذي بلغ حد البشاعة في ذبح الآخر المختلف عن هؤلاء الإرهابيين دينيًا وعقديًا، مثلما فعل مجرمو ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وليبيا وجماعة بوكو حرام (أي التعاليم الغربية محرمة) في نيجيريا التي تتفنن في اختطاف طالبات المدارس وترويعهن، وكما يفعل ما يسمى بحركة الشباب "المجاهدين" في الصومال وغيرها، وكل ذلك باسم السلفية الجهادية.
وقد انعسكت آثار هذا الإرهاب على المملكة إما مباشرة أو غير مباشرة بعد هجمات 11سبتمبر 2001 على برجي مركز التجارة الدولية في مدينة نيويورك التي ادعى تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن المسؤولية عنها والتي قُتل فيها نحو ثلاثة آلاف شخص.
وقد ترددت روايات كثيرة عن مجريات هذه الهجمات التي قيل إنها من تخطيط أجهزة استخبارات، من بينها جهاز "الموساد" الإسرائيلي. وللمفارقة فإن تنظيم "القاعدة" سمّي هكذا لأن المخابرات الأمريكية قامت بتدريب العناصر "الجهادية" وأنشأت قاعدة بيانات بأسماء وجنسيات المقاتلين الذي حاربوا القوات السوفيتية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. لذلك، فهذا التنظيم، مثل تنظيم الدولة تمامًا، صنيعة لعبة استخبارات تعرف كيف تستثمره لغايات معينة ثم تغتال قياداته عندما تنتهي صلاحيتهم وتحتفي بهذا الاغتيال كإنجاز سياسي.
كانت الانعكاسات السلبية لتلك الهجمات هو أن 15 شابًا سعوديًا قيل إنهم كانوا من بين من قادوا الطائرات المهاجمة في مسرحية تعجز عنها أفلام الخيال العلمي. ولأن قيادة المملكة، بحسب بعض التقارير، رأت أن حرب الجهاديين في أفغانستان قد استنفدت أغراضها ويجب أن تتوقف، فقد اختلفت في هذه الرؤية مع الإدارة الأمريكية التي لها مخططاتها واستراتيجياتها الخاصة بالعالم الإسلامي ومنطقة الشرق لأوسط تحديدًا.
وقد أدركت قيادة المملكة أهداف هذه اللعبة، فاستقبلت العائدين من أفغانستان، كما أدركت في الوقت ذاته أن هناك من اقتنع بالتبريرات الأيديولوجية والفكرية التي تستند إلى تفسيرات فاسدة ومنحرفة عن روح الدين الحنيف بدعوى مناهضة النظام الشرعي القائم ومحاربة الوجود الغربي في المملكة المحكوم باتفاقيات وتفاهمات وهو ليس مجانيًا على أية حال؛ فنحن نشتري خدمة ونستطيع الاستغناء عنها عندما تنتهي مبرراتها.
وقد لجأت السلطات السعوديةإلى الإجراءات غير التقليدية اللينة لمحاربة هذا الفكر المنحرف الذي لا يعرف أولويات الجهاد ومسؤولية الإعلان عنه وبوصلته، علمًا بأن جميع هذه التنظيمات لم تقم ولو بعملية واحدة ضد "إسرائيل" مثلاً التي تحتل أرض فلسطين العربية الإسلامية.
ومع ذلك، نفاجأ من حين لآخر بأحد المضللين الذي أعطى لنفسه حقًا إلهيًا لقتل عباد الله وترويعهم وهو يعرف أنه سيقتل في نهاية المطاف بفضل يقظة أجهزتنا الأمنية فيكون قد خسر الدنيا والآخرة، إضافة إلى الأذى النفسي والاجتماعي الذي يلحقه بكل من ينتمي إليهم.
لذلك، فإن علينا أن لا نكتفي بملاحقة هؤلاء المارقين وقتلهم وسجنهم، بل على السلطات المعنية أن تتبنى برامج توعوية طموحة لنشر المحبة ونبذ الكراهية وتعميق روح المواطنة والولاء للوطن والأسرة الحاكمة، وعليها اعتماد خطط لتحصين الشباب ضد الأفكار المنحرفة، وربما فرض الخدمة العسكرية الإلزامية.
إن الحديث عن هذا الموضوع لا ينتهي، لكن تدور في البال أسئلة كثيرة عن دوافع المحركين لهؤلاء الإرهابيين، ومن هذه الأسئلة: كيف يلتقي هؤلاء الإرهابيون مع عصابات الحوثيين الطائفية في محاولة ضرب استقرار المملكة؟ ولماذا لا يدرك بعض المنظّرين لما يسمى بالفكر الجهادي أنهم مجرد أحجار شطرنج في لعبة أجهزة الاستخبارات الأجنبية؟ ولماذا لا يتعلمون الدروس المستفادة من الحرب الأهلية الأفغانية حيث أصبحت حركة طالبان تستجدي رضا الولايات المتحدة التي سحبت قواتها وسلمت الحكم لحركة طالبان التي تورطت في حكم بلد لا تعرف كيف تديره أو تحل مشاكله؟ ولماذا لا يفهم هؤلاء المنظّرون أن عملية إرهابية فاشلة هنا وهناك لا يمكن أن تهز استقرار بلد بحجم المملكة وقوتها ويقظة أجهزتها الأمنية وصلابة قيادتها والتفاف الشعب حولها؟