ترويج الأمراض وتسويق الأدوية

قبل أيام صرّح المرشح الرئاسي الأمريكي روبرت كينيدي جونيور قائلًا إن شركات الأدوية العالمية تجني سنويًّا 60 مليارًا من بيع اللقاحات، و500 مليار من مبيعات الأدوية لعلاج أعراض لقاحاتهم.. وقبل ثلاثين عامًا، قال رئيس شركة ميرك للأدوية إن سوق شركته تقتصر على المرضى؛ مضيفًا إلى أنه كان يحلم منذ فترة طويلة بصنع أدوية للأشخاص الأصحاء لبيعها للجميع.

أجمل وأمتع جدال حين تتطرق المجالس لانتقاد شركات الأدوية، متبوعة بالغوص في تحليلات واستنتاجات لنظريات المؤامرات؛ خاصة إذا كان الموضوع حول انخراط شركات الأدوية في أساليب تسويقية تُبالغ في تضخيم حالات معينة أو إضفاء الطابع الطبي عليها؛ لزيادة مبيعات أدويتها؛ مما قد يؤدي للإفراط في التشخيص وبالتالي زيادة الوصفات الطبية.

إن توسيع حدود المرض وخفض عتبة العلاج، قد يؤدي إلى خلق ملايين المرضى الجدد وأرباح جديدة بالمليارات؛ مما يؤدي لارتفاع فواتير الأدوية، وإفلاس الأنظمة الصحية الوطنية.. ومع تزايد إضفاء الطابع الطبي على الحياة العادية، تقترب صناعة الأدوية من القدرة على البيع للجميع.

المسؤولية هنا لا تقتصر على شركات الأدوية؛ بل قد تطال الأطباء الذين ربما يتجاوزون مهامهم في التشخيص وصرف الدواء، إضافة إلى المرضى الذين يشعرون بأن لديهم مرضًا خطيرًا يحتاجون لعلاج.. كل ذلك وبوضوح مقنّع، تتحول تقلبات الحياة اليومية لاضطرابات عقلية، وتتحول الشكاوى الشائعة لمشاكل مخيفة، فيصبح الخجلُ اضطرابَ القلق الاجتماعي، والدورة الشهرية مرضًا نفسيًّا يسمى PMDD (اضطراب ما قبل الحيض عادة ما تختفي الأعراض بعد 2- 3 أيام من بدء الدورة الشهرية)، أما نشاط الأطفال فيتحول إلى اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

وبتحالف الشركات الدوائية مع الأطباء ومساعدة وسائل الإعلام؛ تصبح الحالات منتشرة وشديدة، وتتحول الأمراض العادية لمشاكل طبية، والأعراض الخفيفة لخطيرة، ويُنظر للمشكلات الشخصية على أنها طبية، والمخاطر على أنها أمراض، ومن ثم صياغة تقديرات الانتشار لتعظيم الأسواق المحتملة؛ وبالتالي أرباح خيالية (في عام 2021 حققت شركة فايزر أكثر من 48 مليار دولار أمريكي من أكبر ثلاثة أدوية لها؛ حوالى 60% من إجمالي إيراداتها، والفضل -بعد الله- لكوفيد 19).

ليس كل مرض جديد يتوفر له عقار يمثّل مشكلةً صحية كبرى؛ بل طريقًا لشركات الأدوية لزيادة إيراداتها (البحث والتطوير واستغلال الأدوية للوقاية من الأمراض ومكافحتها وعلاجها وعلاج الأعراض)؛ ليبدو الأمر وكأنه يخدم المجتمع.. أما الطامة الكبرى فهي قيام بعض الشركات الدوائية باختراع أمراض جديدة لتتناسب مع الأدوية الموجودة لديها؛ بل وإقناع الناس بأن مرضهم الخفيف يحتاج بشكل عاجل لعلاج دوائي؛ سعيًا لتحقيق الأرباح بعد أن تتحالف مع الأطباء ومجموعات الدفاع عن المرضى.

لجني الكثير من المال عليك بإخبار الأصحاء بأنهم مرضى، وإضفاء الطابع الطبي على الحياة العادية، وتوسيع حدود الأمراض القابلة للعلاج من أجل توسيع الأسواق لأولئك الذين يبيعون العلاجات، وإيجاد تحالفات غير رسمية من موظفي شركات الأدوية، والأطباء، ومجموعات المستهلكين، لتنخرط ظاهريًّا في رفع مستوى الوعي العام حول المشاكل التي لا يتم تشخيصها وعلاجها والترويج لنظرةٍ مَفادها أن حالتك الخاصة منتشرة وخطيرة وقابلة للعلاج، كذلك توسيع أسواق المنتجات الصيدلانية الجديدة، والتقليل من أهمية النهج البديل أو تجاهله.

من الطرق أيضًا استهداف وسائل الإعلام بقصص مُصَممة لإثارة المخاوف بشأن الحالة أو المرض، ولفت الانتباه إلى أحدث العلاجات؛ حيث تقوم المجالس الاستشارية التي ترعاها الشركات بتوفير "الخبراء المستقلين" لهذه القصص، وتوفر مجموعات المستهلكين "الضحايا"، وتقوم شركات العلاقات العامة بتزويد وسائل الإعلام بالمعلومات الإيجابية حول أحدث الأدوية "المبتكرة"، والحديث عن قرارات العلاج السيئة، والإهدار الاقتصادي.

ختامًا:

إقناع الصحيح بأنه مريض، وأصحاب الأعراض الخفيفة بأنهم مرضى بشدة؛ هو فن تجاري، يقول آرثر كابلان، أستاذ أخلاقيات علم الأحياء في جامعة بنسلفانيا: إذا كنت تريد إثارة القلق بين عامة الناس، ولديك أموال الإعلانات اللازمة لاستغلالها يمكنك تحويل أي شيء تقريبًا إلى مرض.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org