عبدالله بن ناصر أبو حبيب الشثري رحمه الله تحامل على نفسه ليُسعِدَ غيره

تم النشر في

يُعدُّ فقدُ الأصحاب والأقارب والأحبة حدثاً مؤلماً ومصيبة تحل بالأحياء، ويعظم ذلك عندما يكون الفقدُ لشخص متميز جمع خصال الأخلاق والوفاء والبذل والعطاء والمودة ومكارم الفضائل، بموته أُغلقت أبوابٌ من الخير والإحسان، وتأثر بفقده الفقراء والمساكين، وقد فقدنا الرجل الحيي الكريم المحسن الباذل العابد الصالح الشيخ عبدالله بن الشيخ ناصر بن الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب الشثري، (أبو فيصل) رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، شرفتُ بمعرفته عن قرب عام 1420هـ، عندما بدأتُ الدراسة الجامعية، ورأيت فيه امتداداً للسلالة العلمية المباركة من بيت العلم والكرم فهو ابن العم الكريم معالي الشيخ ناصر رحمه الله.

وكان الفقيد في ذلك الوقت يصلي مأموماً خلف أخيه وشقيقه العالم معالي الشيخ سعد الذي شرفتُ بالدراسة عليه والاستفادة من علمه، ويُنيبه في حال غيابه، ثم أصبح الشيخ عبدالله إماماً للمسجد بعد ذلك، وكان مثالاً في الصلاح والعبادة، ملازماً للمسجد، فبعدما يؤذن يبادر إلى مكانه في روضة المسجد، يقرأ القرآن، وبعد صلاة الفجر يجلس في المسجد إلى طلوع الشمس ثم يصلي ركعتين، ويحب المشي أثناء تلاوة القرآن في المسجد، وقد رزقه الله حفظ القرآن وضبطه، فكان يصلي إماماً للمسجد محتسباً حتى مع تعبه، يختم القرآن عصر كل جمعة، وبعد صلاة العصر يبادر إلى المكتبة العلمية في بيت والده الشيخ ناصر، يقرأ في كتب التفسير ويقيِّد الفوائد حتى أذان المغرب، حريصاً على البذل والصدقة وكفالة الأيتام خفية حتى مع تعبه ومرضه، باذلاً متخفياً لا يُعرف، يجمع المال ليُسعِدَ إخوانه المسلمين وينفعهم، إذا علم بأحد من الشباب قد عقد قرانه بادر إلى دعمه المالي عرفه أو لم يعرفه، ويطلب ممن يثق فيهم أن يدلوه على الشباب الذين عقدوا قرانهم ليدعمهم بالمال، عرفته رحمه الله يكفل عدداً من الفقراء والأيتام، وصُلي عليه صلاة الغائب في عدد من المراكز الإسلامية خارج المملكة، وابتلي بالمرض في حياته فصبر ولم يشتك، ولم يتوجع، بل يلهج بحمد الله وشكره دائماً، وزرته قبل دخوله الأخير للمستشفى بيومين أو ثلاثة، فوجدته في المسجد على عربته يدفعه بالعربة أصغر أبنائه عبدالعزيز حفظه الله، ولم يترك صلاة الجماعة مع الرخصة له في عدم حضورها، ويحرص على طرق الخير، ومن ذلك حرصه على حضور الصلاة على الجنائز في جامع الملك خالد فلا يكاد يترك الصلاة على الجنائز في صلاتي الظهر والعصر، ومن ذلك الصلة والزيارة لأقاربه وأرحامه في حال صحته ومرضه، مقدراً لكبيرهم، راحماً لصغيرهم، وكان يزور الوالد رحمه الله وهو مريض يمشي على عكازه بالعصا، ويطلب منه الوالد أن لا يشق على نفسه فيأبى، وهو محبٌ للوالد والوالد محبٌ له يسأل عنه دائماً إخوانه وأعمامه، ولما توفي الوالد رحمه الله سافر للصلاة عليه في الحوطه وشارك في تشييعه ودفنه وهو خارج من غسيل الكلى بالمستشفى ممسكاً بعكازه، فقيل له لماذا تُتعب نفسك بالسفر، قال: لم أستطع ترك الصلاة عليه ولا أُلام في محبة العم الوالد، معرضاً كافاً عن الوقوع في أعراض الناس، جلستُ معه مجالس متعددة فلم أسمعه يتكلم بكلمة نابية تُحسب عليه، يلتمسُ العذر لغيره، فلم يُعاتِبُ أحداً من إخوانه، أو أصحابه، طويل الصمت، تعلوه السكينة، بعيد عن الظهور، بسيط في مظهره، متواضع، حتى لقي ربه، ولازم في حياته هذه الأفعال الحميدة لينال السعادة الأبدية، أسأل الله أن يبلِّغه إياها، وما عند الله عزوجل خيرٌ وأبقى، والذكر الطيب والأثر الجميل عمر ثان ممتد بعد فراق الدنيا، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وجعل ما قدم في ميزان حسناته، وبارك له في عقبه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org