إعادة تشكيل اتجاهات الموظفين

تم النشر في

تعتبر الاتجاهات (Attitudes) من أهم العوامل النفسية المؤثرة في سلوك الإنسان داخل بيئة العمل وخارجها. فالإنسان لا يتصرف عادة بطريقة عشوائية، بل يعتمد في سلوكه إلى منظومة داخلية من التهيؤات والاستعدادات الذهنية والانفعالية التي توجه رؤيته للأحداث وتفاعله مع الآخرين. وتأتي أهمية الاتجاهات من كونها تشكل الحلقة الرابطة بين ما يؤمن به الفرد وما يقوم به في الواقع، ولهذا فإن فهم كيفية تكوين الاتجاهات وإعادة تشكيلها يعد ضرورة لرفع جودة الأداء المؤسسي.

تبدأ الاتجاهات في التشكل منذ السنوات المبكرة من عمر الإنسان، حيث تلعب الأسرة الدور الأساس في زرع أولى البذور القيمية والانفعالية. فالطفل يتعلم من خلال الملاحظة والمحاكاة والتعزيز، ويتبنى مواقف والديه تجاه الحياة والآخرين والمسؤوليات والنجاح والفشل. كما تسهم الطرق التربوية سواء كانت قائمة على التشجيع أو النقد أو الحوار أو السيطرة في تكوين اتجاهات الطفل نحو ذاته ونحو المجتمع والحياة بشكل عام.

ومع دخول الإنسان المدرسة، يزداد أثر البيئة الخارجية في تشكيل اتجاهاته. فالمدرسة ليست مكان للتعلم المعرفي فقط، بل هي بيئة اجتماعية تشجعه على التفاعل، وتختبر قدرته على الالتزام والانضباط والتعاون. وفي هذه المرحلة تتكون لدى الفرد اتجاهات نحو العمل الجماعي، وتحمل المسؤولية، والنظام، واحترام الوقت وغيرها من قيم الحياة.

أما المجتمع بثقافته السائدة، وقصصه اليومية، وصوره الذهنية عن النجاح والفشل، فهو يشكل الإطار الأوسع الذي تبنى داخله الاتجاهات طويلة المدى. ويكبر الإنسان حاملاً معه مجموعة من الاتجاهات التي تشكل رؤيته للعمل، والإدارة، والمسؤولية، والإنجاز، والالتزام.

تؤثر الاتجاهات بشكل مباشر في سلوك الموظف، فهي التي تحدد مستوى دافعيته، وقيمة العمل لديه، وقدرته على التفاعل مع زملائه، واستعداده للتغيير. فالاتجاه الإيجابي تجاه العمل مثل الإيمان بأهمية الدور الوظيفي أو الشعور بأن الوظيفة جزء من الإنجاز الشخصي يؤدي إلى أداء مرتفع، وانضباط أعلى، واستعداد للمبادرة.

أما الاتجاهات السلبية، فهي عادة ما تظهر في صورة مقاومة للتغيير، تقليل من قيمة المهام، ضعف في الالتزام بالمواعيد، نقص في الشغف الوظيفي، أو ميل للانسحاب النفسي. والمشكلة أن هذه الاتجاهات لا تتغير بسهولة لأنها ليست مجرد أفكار، بل مشاعر وتجارب وتراكمات.

من أجل تغيير السلوك الوظيفي وتحسين الأداء، لا يكفي وضع اللوائح وإصدار التعليمات. فالسلوك بحسب علم النفس التنظيمي هو نتيجة لاتجاهات مستقرة، وإذا لم يُعاد تشكيل هذه الاتجاهات فلن يتغير السلوك بشكل حقيقي أو دائم. ويمكن للمنظمات اتباع مجموعة من الاستراتيجيات لإعادة تشكيل اتجاهات الموظفين:

1. خلق بيئة عمل داعمة ومحفزة لأن الموظف عندما يشعر بالأمان النفسي والتقدير الحقيقي، وعندما يجد ممارسات القيادة داعمة، ومستوى العدالة التنظيمية مرتفع فإن ذلك يقود إلى اتجاه إيجابي نحو المؤسسة وقياداتها.

2. توفير تجارب نجاح حقيقية. كما نعلم بأن الاتجاهات تتغير من خلال التجربة. لذلك فإن تكليف الموظف بمهام مناسبة لقدراته، وتمكينه من تحقيق إنجازات ملموسة، يعيد تشكيل نظرته لنفسه ولمكانه في العمل، ويقوده للاتجاه الإيجابي تجاه الأداء.

3. بناء ثقافة تواصل شفافة لأن الاتجاهات السلبية عادة تنشأ من الغموض أو سوء الفهم. لذلك، فإن التواصل الواضح والدائم بين الإدارة والموظفين، وإشراكهم في القرارات، يُسهم في بناء اتجاه إيجابي يشعر فيه الموظف بأنه جزء من المنظومة وليس عنصرا هامشيا.

4. تقديم نماذج قيادية ملهمة فالموظفين يتأثرون بسلوك القادة أكثر من تأثرهم بكلماتهم. وعندما يتبنى القائد اتجاهات إيجابية نحو التغيير، والجودة، والاحترام، ينعكس هذا على فريقه بشكل مباشر. وهذا ما يسمى بالقيادة بالقدوة.

إن إعادة تشكيل اتجاهات الموظفين ليست مهمة بسيطة، لكنها عنصر رئيسي للارتقاء بالأداء وتحقيق التميز المؤسسي. فالاتجاهات تتكون عبر سنوات من التربية والتعليم والتجارب، وتؤثر في كل قرار وسلوك يتخذه الموظف. ومن خلال بيئة داعمة، وتواصل فعّال، وتجارب نجاح، وقيادة ملهمة، تستطيع المؤسسات أن تغيّر اتجاهات العاملين، وتحوّل الأداء من مستوى اعتيادي إلى مستوى استثنائي.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org