الجودة: فكر برؤية مختلفة

تم النشر في

يأتي اليوم العالمي للجودة هذا العام تحت شعار «الجودة: فكر بطريقة مختلفة»، وهو شعار يتجاوز كونه عبارة تحفيزية إلى رسالة استراتيجية تعبّر عن جوهر التحول الذي تعيشه المملكة في ظل رؤية 2030، تلك الرؤية التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – بفكر مختلف، فتحوّلت من حلم وطني إلى واقعٍ تنموي متجدد يقود العالم نحو نموذج سعودي في الريادة والابتكار والجودة الوطنية الشاملة.

الجودة كرؤية فكرية:

لقد ارتبط مفهوم الجودة لعقود طويلة بمفاهيم رقابية أو إجرائية تقتصر على توثيق العمليات، وتطبيق المعايير، والحصول على الاعتمادات، لكن الشعار الجديد «فكر بطريقة مختلفة» يدعونا إلى نقلة نوعية في فهم الجودة بوصفها فلسفة قيادية وفكرًا استراتيجيًا قبل أن تكون مجموعة من النماذج الاسترشادية.

إن الجودة الحقيقية تبدأ من طريقة التفكير؛ حين نرى في كل تحدٍّ فرصة للتحسين، وفي كل تجربة مجالًا للتعلّم، وفي كل نجاح منطلقًا لابتكار جديد، وهذا بالضبط ما جسّدته رؤية المملكة 2030 عندما تحوّلت من رؤية تنموية إلى حركة وطنية نحو التميز، تستند إلى التفكير المختلف، والتحدي، وصناعة الفرص.

رؤية سمو ولي العهد:

لقد استطاع سموه أن يُعيد صياغة مفاهيم الإدارة العامة من خلال ترسيخ مبادئ الابتكار، والمساءلة، والكفاءة، والاستدامة، وهي ذات المبادئ التي تشكل جوهر أنظمة الجودة الحديثة مثل نموذج التميز الأوروبي EFQM ونظم إدارة الجودة ISO وEFQM 2020.

هذا الفكر القيادي المختلف جعل الجودة في المملكة ممارسة قيادية يومية، وأداة لتحقيق رؤية وطنية كبرى تتكامل فيها المؤسسات الحكومية، والأمنية، والتعليمية، والاقتصادية، لتشكل منظومة واحدة متفاعلة تقيس الأداء بالنتائج والأثر.

الجودة في ضوء رؤية 2030

تقوم رؤية 2030 على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح، وكل محور منها يمثل وجهًا من أوجه الجودة الوطنية.

ففي «المجتمع الحيوي» نجد الجودة في الخدمات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والتعليم، وجودة الحياة.

وفي «الاقتصاد المزدهر» تتجلى الجودة في التنويع الاقتصادي، والاستثمار في الكفاءات الوطنية، ورفع كفاءة الإنفاق.

أما في «الوطن الطموح»، فالجودة هنا تتجسد في الحوكمة، والشفافية، والمساءلة، والتميز المؤسسي.

وهكذا تتكامل محاور الرؤية لتشكل نموذجًا وطنيًا للجودة الشاملة، لا يكتفي بالتحسين الداخلي للمؤسسات، بل يسعى إلى إحداث أثر ملموس على المواطن والمجتمع.

قصة واقعية:

يمكن أن نستذكر تجربة برنامج التحول الوطني الذي انطلق في عام 2016 كأحد أهم برامج الرؤية، إذ كان يهدف في بدايته إلى رفع كفاءة الأداء الحكومي وتحسين الخدمات، غير أن ما حدث خلال السنوات التالية تجاوز الأهداف التشغيلية إلى تبني ثقافة جديدة للجودة المؤسسية، حيث أصبحت الوزارات والأجهزة الحكومية تتنافس في مؤشرات الأداء، وتوظّف التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في خدمة المستفيد، في تجسيدٍ عملي لشعار «فكر بطريقة مختلفة».

فعلى سبيل المثال، التحول في خدمات وزارة الداخلية، ووزارة العدل، ووزارة التعليم، وهيئة الحكومة الرقمية، شكّل قفزة نوعية في جودة الخدمة، عبر إعادة تصميم العمليات والإجراءات لتحقيق رضا المستفيدين.

دروس مستفادة:

1. القيادة التحويلية: أن يقود القائد بفكر يزرع الحماس ويُلهم التغيير، لا يكتفي بالإشراف على الأداء.

2. التكامل المؤسسي: أن تتحول الجودة من شأن إداري إلى مسؤولية مشتركة بين جميع وحدات العمل.

3. الثقافة التنظيمية: أن تصبح الجودة جزءًا من قيم المؤسسة، وليست مجرد إجراءات مكتوبة.

4. الابتكار والاستدامة: أن تُبنى الجودة على التجديد المستمر والبحث عن حلول غير تقليدية.

نحو جودة المستقبل:

لقد آن الأوان لأن نعيد تعريف الجودة على أنها ذكاء مؤسسي واستدامة وطنية، تتكامل فيها التقنيات الحديثة مع القيم الأصيلة، ليصبح كل موظف قائد جودة، وكل إدارة خلية إبداع.

إن شعار «الجودة: فكر بطريقة مختلفة» هو في جوهره استلهام لفكر سمو ولي العهد حين قال: «طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهارا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، مستقبل وطننا الذي نبنيه معا، لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم».

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org