استقلالية القرار السعودي
مع انقضاء آخر يوم في عام 2022، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها القانوني بشأن الآثار الناجمة عن انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيرة، وكذلك تدابير سلطات الاحتلال لتغيير الوضع الديمغرافي في القدس المحتلة، بما في ذلك التدابير والإجراءات العنصرية.
وفي 16/12/2022 تبنت المنظمة الدولية بالأغلبية الساحقة قرارًا يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وقد أثار القرار غضب الحكومة الإسرائيلية وحليفتها الأمريكية اللتين درجتا على معارضة ورفض أي قرار يدين الاحتلال الإسرائيلي وهو الاحتلال الوحيد الباقي في العالم في القرن الحادي والعشرين.
ويأتي القرار بعد عودة اليمين اليهودي الأكثر تطرفًا بقيادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، الذي تعهد بتثبيت الاحتلال وزيادة مصادرة الأراضي الفلسطينية لاستيعاب مزيد من المستوطنين اليهود بلحاهم الطويلة وجدائلهم وقلنسواتهم الذين يأتون من مختلف أصقاع العالم لاحتلال الأرض وممارسة القتل والتعذيب والاعتقال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، على اعتبار أن "الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت"، بحسب تعبير رئيسة حكومة إسرئيل السابقة غولدا مائير.
في رفضه لقرار المنظمة الدولية، قال مندوب الاحتلال لدى الأمم المتحدة" لا يمكن لأي هيئة دولية أن تقرر أن "الشعب اليهودي شعب محتل في وطنه!"، وهي أكبر كذبة اخترعتها الصهيونية العالمية لخداع العالم وتشريع احتلالها لهذه الأرض العربية.
وللطرافة، فقد حدث أن مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور روى في إحدى جلسات المنظمة الدولية أن النبي موسى ذهب في يوم من الأيام ليستحم وعندما خرج من الماء فوجد أن اليهود قد سرقوا ثوبه، وهنا رد المندوب اليهودي "لكننا لم نكن يومها هناك!"، وهذه حقيقة مثبتة تاريخيًا، لكن غلاة اليهود الذين لعنهم الله أقنعوا العالم بعكس ذلك بدعم من المسيحية الصهيونية المنافقة.
قبل أيام، احتفلت الطوائف المسيحية الشرقية بعيد ميلاد المسيح عليه السلام في الوقت الذي ترزح فيه الأماكن المسيحية المقدسة في مدينتي بيت لحم والقدس، ناهيك عن المسجد الأقصى وعموم فلسطين، تحت الاحتلال اليهودي الصهيوني منذ أكثر من سبعين عامًا، فهل يؤمن هؤلاء برسالة المسيح حقًا وبأن اليهود قد صلبوه كما يقولون. لكن هؤلاء، للحقيقة يؤمنون بقول المسيح "إذا ضربك أحدهم على خدك الأيمن، فأدِر له الأيسر أيضًا". إلا أنه يبدو أنهم حصروا هذا القول بالفلسطينيين، من مسيحيين وفلسطينيين، الذين عليهم أن يتقبلوا الاحتلال والقتل والإذلال لا لشيء إلا أنهم عرب.
بعد طلب الغفران، يتلون في صلواتهم "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة"، لكن الله جل جلاله في علاه لن يستجيب لدعائهم والمسيح بريء منهم لأنهم لا يريدون أن يسود السلام في هذا العالم ويسرقون المسرّة من قلوب الناس.
وعلى الرغم من أننا غير متفائلين بقبول حكومة إسرائيل وحاضنتها الإدارة الأمريكية لقرارات الأمم المتحدة ولقرار محكمة العدل الدولية، إلا أن تصويت أغلبية دول العالم لصالح القرار يؤكد على رفض أحرار العالم لهذا الاحتلال البغيض وسياسات الدول الداعمة له.
في جميع لقرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة، ومنها القراران الأخيران، وقفت المملكة إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. لكنها في العام الماضي تحديدًا، اتبعت مسارًا سياسيًا غير مسبوق ومواقف استوقفت معظم المراقبين في العالم، وذلك من خلال الثبات والشجاعة والالتزام بالمبادئ التي أظهرتها قيادتها، المتمثلة في شخص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان.
وقد تميزت هذه المواقف بالاستقلالية والتوازن والحفاظ على المصالح الوطنية والعربية والاستقرار عند التعاطي مع القضايا السياسية والاقتصادية العالمية، ومنها الحرب في أوكرانيا ومعارضة احتلال أراضيها ومنظمة أوبك+ وبناء العلاقات مع دول العالم، ومنها الصين ودول جنوب شرق آسيا. وقد تعرضت جراء ذلك لانتقادات من الإدارة الأمريكية التي رأت في هذه المواقف تحديًا لها.
وفي التصويت الأخير لصالح قرار الأمم المتحدة، بعثت قيادة المملكة برسالتها للعالم في العام الجديد: السلام لن يكون انتقائيًا ولن ينعم اليهود بالسلام ما لم يتمتع الشعب الفلسطيني ومقدساته بهذا السلام، وهذا ما يبدد أحلام نتنياهو وداعميه الذي وعد بتوسيع التطبيع مع مزيد من الدول العربية. ومن خلال هذا الموقف تعبّر هذه القيادة الشجاعة عن ضمير الشعب السعودي وأصالته.