قضية الأضحية السنوية
قبل عيد الأضحى المبارك من كل عام، يكثر الجدال والنقاش حول مسألة أخْذ من أراد أن يضحي من شعره وأظافره، من دخول شهر ذي الحجة إلى أن يضحي. وكان الناس قد اعتادوا فيما مضى على الأخذ بفتوى وجوب الإمساك عن حلق الشعر وتقليم الأظافر لمن أراد أن يضحي. وفي الآونة الأخيرة ظهرت فتاوى تقول «إن إمساك المضحي عن حلق شعره وتقليم أظافره أمر مستحب وليس بواجب».
ومن أجل ذلك نجد بعض الناس يشكك في علم عالم معين لأنه أفتى بعكس ما يريد، وقد يصفه بأوصاف غير لائقة، وكأنه يملك دليلًا قاطعًا وحيدًا على الرأي الذي يتبناه، وكأن المسألة ليس فيها أقوال أخرى، مع أنه غير ملزَم بالأخذ بفتواه.
لكن الجميل في وجود أقوال متعددة في المسائل الخلافية، أن فيه إعانة لبعض الناس على فعل الطاعات، فقد يكون هناك شخص يريد أن يضحي لكن يمنعه من ذلك عدم رغبته في الإمساك عن حلق شعره، أو يُضطَر تحايلًا أو جهلًا إلى توكيل غيره لذبح أضحيته؛ لكي ينقل الإمساك إليه على الرغم من أنه هو الملزَم بالإمساك وليس الوكيل.
ومدة الإمساك عن أخذ الشعر وتقليم الأظافر ليست بالطويلة، ولا تتجاوز عشَرة أيام لمن سيضحي في أول الوقت. وعادةً تكون أغلب هذه المدة إجازةً للموظفين، وفي الغالب لا يكون هناك مناسبات فيها، فلا أتصور عدم قدرة كثيرين على أمر الإمساك، فالطاعات تحتاج صبرًا عليها، والأجر على قدر المشقة، ومَن يتضرر مِن عدم حلق الشعر أو تقليم الأظافر فله الأخذ برأي مَن أجازوا ذلك.
وذبح الأضحية من أعظم العبادات التي تُفعل يوم النحر (أول أيام عيد الأضحى المبارك)، وما يليه من أيام التشريق، وفيها تأكيد على أن الذبح يكون لله تعالى، وفيها تعظيم لشعائر الله لمن كان قادرًا على شرائها. وهي عبادة لا تتكرر إلا مرة واحدة في السنة، فالأحرى بالمسلم أن يعتني بهذا الأمر جيدًا، وأن يحرص على أداء هذه العبادة، وأن يخطط لذلك من بداية السنة؛ لكيلا يُحرج من عدم تمكنه من شراء الأضحية بسبب عدم توافر ثمنها، وفي المقابل فهو معذور إذا لم يكن يملك ثمنها.
وأحسن ما سمعت في هذا الأمر، أنه ينبغي للمسلم الامتثال لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، كما أمرَنا بذلك ربنا عز وجل حيث قال في محكم التنزيل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواۚ} [الحشر: 6]. وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ»، فينبغي للمسلم الالتزام بهذا الأمر، سواءً كان على سبيل الوجوب أو الاستحباب، طاعةً للرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه.