روبلوكس تهدد أبناءنا

تم النشر في

في عالمٍ باتت حدوده وهمية، ومساحاته افتراضية، لم تعد الأخطار تأتي من أبوابٍ معلومة ولا من طرقٍ مرئية. صار الخطر يتسلل من شاشة صغيرة مضيئة، يطرق على قلوبنا قبل عقولنا، ويزرع في النفوس بذور التشتت والعزلة والانقياد. التكنولوجيا التي حلمنا أن تكون وسيلة لبناء المعرفة وتوسيع المدارك، صارت في كثير من الأحيان سلاحًا ذا حدين؛ إما يفتح أبواب الخير، أو يجرّنا إلى هاوية بلا قرار.

من بين هذه الأبواب لعبة روبلوكس التي اجتاحت العالم وجذبت إليها الملايين من الأطفال والناشئة. لعبةٌ تبدو بريئة في ظاهرها، لكنها تحمل في أعماقها عالماً مليئًا بالمخاطر: محادثات مفتوحة مع الغرباء، محتوى غير مراقب يمكن أن يتسلل إلى عقول الصغار، وفرص لتمرير أفكار وسلوكيات لا تمت لقيمنا بأي صلة. إن الخطر لا يكمن في الترفيه بحد ذاته، وإنما في ما يختبئ وراء ستار الترفيه من تأثيرات عميقة على التربية والسلوك.

والأخطر أن هذه اللعبة تضم أكثر من 70 مليون مستخدم نشط يوميًا حول العالم، بينهم مئات الآلاف من الأطفال في السعودية، ما يجعلها بيئة مفتوحة بلا حدود ولا ضوابط حقيقية، الأمر الذي يزيد من صعوبة الرقابة على ما يتعرض له أبناؤنا بداخلها. وهذه الألعاب حين تُترك بلا ضوابط قد تزرع في الأطفال سلوكيات سلبية، مثل الانعزال عن الأسرة، تراجع التحصيل الدراسي، والارتباط بعوالم افتراضية بعيدة عن الواقع والقيم الأصيلة.

ولعل إدراك هذه المخاطر لم يكن حكرًا على مجتمعنا فقط، فقد سبقتنا دول عدّة إلى إيقاف اللعبة أو تقييدها، إدراكًا منها أنها لم تعد مجرد وسيلة للعب، بل منفذًا يهدد سلامة النشء وقيم المجتمع. والمملكة بدورها لم تغفل عن مثل هذه القضايا، فقد أثبتت عبر أجهزتها وهيئاتها أنها تتابع باهتمام كل ما يتعلق بحماية الأطفال في الفضاء الرقمي، وتسعى بشكل مستمر إلى تنظيم هذا القطاع بما يتوافق مع قيم المجتمع ويحفظ سلامة الأجيال. وحماية الأطفال من هذه المخاطر تتسق مع أهداف رؤية السعودية 2030 التي تسعى لبناء جيل واعٍ، محصّن بالعلم والقيم، قادر على الموازنة بين الانفتاح الرقمي وحماية هويته الوطنية.

وهذا ما يضعنا أمام مسؤولية كبرى، ومسؤولية مضاعفة على هيئة تنظيم الإعلام في السعودية، لاتخاذ قرار عاجل بإيقاف هذه اللعبة أو على الأقل تجميد خاصياتها الأخطر، حمايةً لأبنائنا وضمانًا لسلامة مجتمعنا الرقمي. إن ترك هذه اللعبة بلا رقابة يُمثل ثغرة حقيقية في أمننا الرقمي التربوي، ومن هنا تتأكد الحاجة إلى قرار عاجل وحاسم.

ختام ما أقوله.. إن أبناءنا أمانة في أعناقنا، والألعاب الإلكترونية ليست مجرد أدوات تسلية بل أدوات تشكيل للعقل والوعي. لذلك علينا كآباء أن نراقب ونوجّه، وعلى الأبناء أن يعوا أن وقتهم وحياتهم أثمن من أن تُهدر في عوالم افتراضية لا تنفع. راقبوا أبناءكم، فالحماية الحقيقية تبدأ من البيت، والوعي الصادق يُبنى بالحوار والتربية، لا بالمنع وحده. فلنكن جميعًا جدار حماية أمام كل خطر يتربص بمستقبل أبنائنا.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org