الاستراتيجية: من الرؤية إلى الأثر

تم النشر في

في عالم يموج بالتحولات السريعة والتحديات غير المسبوقة، لم تعد المؤسسات قادرة على الاكتفاء بالخطط قصيرة المدى أو الحلول المؤقتة. لقد أصبح التفكير الاستراتيجي ضرورة وجودية، لا مجرد رفاهية إدارية. غير أن التحدي الأكبر لا يكمن في صياغة الاستراتيجيات على الورق، بل في قدرتها على إحداث أثر ملموس يغيّر حياة الأفراد، ويرفع كفاءة المؤسسات، ويعزز مكانة الدول.

الاستراتيجية الناجحة إذن هي تلك التي تبدأ برؤية واضحة، وتُترجم إلى سياسات عملية، وتنتهي بأثر حقيقي يقاس بالأرقام والنتائج.

الرؤية: الحلم الذي يوجّه

الرؤية هي نقطة البداية لأي استراتيجية، فهي البوصلة التي تحدد الاتجاه، وتمنح المؤسسة طموحاً بعيد المدى، فعندما صاغت تسلا رؤيتها "تسريع التحول نحو الطاقة المستدامة"، لم يكن الهدف مجرد بيع سيارات كهربائية، بل تغيير مستقبل الطاقة عالمياً.

وفي السعودية، جاءت رؤية 2030 لتُجسد طموحاً وطنياً هائلاً، حيث تحولت إلى برامج تنفيذية تركت أثراً واضحاً في شتى المجلات الاقتصادية، والثقافية، والتعليمة، والصحية.

من الرؤية إلى الأثر: مراحل ضرورية

لكي يتحقق الأثر، تمر الاستراتيجية بعدة مراحل مترابطة:

1. تحليل الواقع: عبر أدوات مثل SWOT وPESTEL، لمعرفة نقاط القوة والضعف، ورصد الفرص والتهديدات.

2. صياغة الأهداف: أهداف محددة وواقعية، تُحوّل الرؤية إلى خطوات قابلة للتنفيذ.

3. التنفيذ: توزيع الموارد، تحديد المسؤوليات، تحفيز الكفاءات.

4. التقييم والتطوير: قياس الأداء بشكل دوري، وتعديل المسار عند الحاجة.

لماذا الأثر هو المعيار الحقيقي؟

كثير من الاستراتيجيات تُكتب بلغة براقة، لكنها تفشل عند التطبيق. الأثر هو ما يميز بين الخطة الناجحة والمتعثرة. ففي التعليم: يقاس الأثر بمخرجات طلاب أكثر مهارة وإبداعاً، وفي الصحة: يظهر الأثر في تحسن جودة الرعاية وانخفاض معدلات الوفيات، وفي الاقتصاد: يتجلى الأثر في تنويع مصادر الدخل وزيادة فرص العمل.

التحديات في الوصول إلى الأثر

لماذا تتعثر بعض المؤسسات في رحلتها من الرؤية إلى الأثر؟

1. مقاومة التغيير: الموظفون يخشون فقدان الامتيازات أو الخروج من منطقة الراحة.

2. غياب ثقافة القياس: الاكتفاء بتقارير شكلية دون مؤشرات أداء دقيقة.

3. ضعف القيادة: غياب القائد الملهم القادر على ربط الرؤية بالواقع.

4. الموارد المحدودة: نقص التمويل أو الكفاءات.

5. تغير البيئة الخارجية: أحداث سياسية أو اقتصادية غير متوقعة قد تعرقل التنفيذ.

أدوات لضمان الأثر

§ بطاقة الأداء المتوازن (BSC): تربط بين الرؤية والنتائج عبر أربعة محاور (مالية، عملاء، عمليات، تعلم).

§ مؤشرات الأداء (KPIs): أدوات كمية لقياس الإنجاز.

§ إدارة التغيير: لتجاوز مقاومة الأفراد وتبني ثقافة جديدة.

§ القيادة الاستراتيجية: قادة قادرون على تحويل الرؤية إلى واقع.

من الرؤية إلى الأثر:

توصيات عملية تكمن في صياغة الرؤية بمشاركة حقيقية من جميع الأطراف، وبناء ثقافة مؤسسية قوامها الشفافية والمساءلة، والاستثمار في تطوير القيادات القادرة على التغيير، وربط كل هدف بمؤشر قياس أثر واضح، والمراجعة المستمرة والتكيف مع المستجدات.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org