من حادثة "الرس".. إلى درس في العدالة الإدارية
"القيادة الحقيقية" هي التي تواجه الخطأ لا التي تخفيه ، وتعلن الحقيقة لا التي تؤجلها. والمنصب ليس سلطة، بل مسؤولية أخلاقية تضع كرامة الإنسان أولا في كل قرار.
بهذه الرؤية المتجذرة في العدالة والإنسانية، وبهذا الحزم المتوازن بالإنصاف، يقدم صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم نموذجا قياديا يعيد تعريف مفهوم الشفافية في الإدارة الحكومية الحديثة، بوصفها وسيلة للإصلاح لا للإحراج، وأداة لتقوية المؤسسات لا لإدانتها.
لم يكن موقف "سمو الأمير" في قضية "تبديل الجثمان" في مستشفى محافظة الرس مجرد حدث عابر، بل علامة فارقة في مسيرة العمل الإداري بالمنطقة، تؤكد أن القصيم تسير بخطى ثابتة في ظل قيادة تؤمن بأن الإنسان كحيا كان أو ميتا" له كرامة لا تمس ، وأن الحق لا يحجب مهما كان الثمن.
لقد تجسد هذا النموذج الرفيع في الشفافية والمسؤولية عندما تصدى سموه بنفسه لقضية تبديل الجثمان، وهي الحادثة التي أثارت تفاعلا واسعا لما تمثله من حساسية تمس مشاعر الأسر وثقة المجتمع في مؤسسات الصحة، وتلامس في جوهرها كرامة الإنسان الميت التي يجمع المجتمع على صونها واحترامها كواجب ديني وإنساني راسخ.
كان بإمكان سموه أن يوجه بمعالجة داخلية للقضية بصمت، لكنه اختار الطريق الأصعب والأشجع، بأن تكون الحقيقة أمام الجميع، فاختار أن يكشف للرأي العام ما جرى بكل تفاصيله، وخلال أيام "قليلة جدا" دون مواربة أو مجاملة.
ومنذ اللحظات الأولى، أصدر سموه توجيها عاجلا بتشكيل لجنة مختصة للتحقق من ملابسات الحادثة ومراجعة كل الإجراءات، ولم يكتفِ بالمتابعة، بل أعلن نتائج التحقيق بوضوح تام اليوم ، مؤكدا عدم وجود شبهة جنائية، وأن الخطأ كان نتيجة إهمال وتقصير إداري من بعض العاملين.
في تقديري .. ذلك الإعلان كان رسالة صريحة بأن العدالة الإدارية في القصيم لا تعرف الإخفاء، وأن كل مواطن ومقيم له الحق في أن يعلم ما يحدث في مؤسسات منطقته، خاصة عندما يتعلق الأمر بكرامة الإنسان وحرمة الموت.
وفي خطوة تعكس عمق الرؤية الإدارية لدى سموه، لم يتوقف التعامل عند حد إعلان النتائج أو إحالة القضية للنيابة العامة، بل وجه بمراجعة الاتفاقيات والإجراءات بين الجهات المعنية لتصحيح الثغرات التنظيمية وضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات مستقبلاً، وهو ما يظهر نهجا إداريا استباقيا لا يكتفي بعلاج الأعراض، بل يذهب إلى عمق المشكلة.
لقد جعل الأمير فيصل بن مشعل من مصارحة الناس بالحقيقة ثقافة إدارية راسخة، وليست مجرد ردة فعل آنية، وأثبت أن هذه الشفافية لا تضعف الهيبة الإدارية، بل تعززها وتكسبها احتراما أكبر، وحين يرى المواطن أن "إمارة المنطقة" تبادر إلى إعلان نتائج التحقيق بنفسها وتحاسب المقصرين بلا تردد، تتجذر الثقة في المنظومة الإدارية ويزداد الإيمان بأن الدولة "حفظها الله" ماضية في ترسيخ مبدأ الحوكمة والمساءلة في كل قطاع، لذا حظيت القصيم باحترام مضاعف بفضل قائدها الذي اختار الوضوح طريقا، والعدالة منهجا.