التطوُّع الأعوج

من خلال ملاحظتي لأعمال تطوعية، ومبادرات متنوعة، وجدت أن هناك نوعًا خفيًّا من أنواع التطوع، أطلقتُ عليه اسم التطوع الأعوج! يخسر الرجل جهده ووقته وماله على أعمال ظاهرها التطوع والعمل الخيري، وباطنها مكايدة ومعاندة إما مسؤول أو رجل أعمال أو شيخ قبيلة.. يريد أن تتحقق له مكاسب دنيوية، ترفع من شأنه، وتقلل من شأنهم!!

المسؤول ورجل الأعمال وشيخ القبيلة ونائب الجماعة رجال ساقهم القدر -بفضل الله- لمكان يخدمون من خلاله مَن حولهم، ويمثلون الدولة في مجال عملهم، ويسهمون في التنمية والتطوير.

أصحاب التطوع الأعوج يعملون ويجتهدون، ثم تكشفهم فلتات اللسان وعبارات التفاخر بأن النية لم تكن طلبًا لما عند الله، وإنما إشباع حظوظ النفس. ويظهر ذلك حينما يتحدثون عما فعلوا، ويذكرونه بحثًا عن الإطراء المزيف، ولا يعلمون أن ذلك هو المن والأذى الذي حذَّرنا الخالق سبحانه منه. يقول الله تعالى في سورة البقرة {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}

وعد الله -عز وجل- أهل الصدقات الخفية والأعمال التي لا يلحقها المن والأذى بأن لهم الطمأنينة وراحة البال. ما أجملها من حياة حينما تكون الأعمال والأفعال والأقوال من أجل رضا الرحمن الرحيم.

من الغبن الكبير والخسارة العظيمة أن يصنع رموز التطوع الأعوج الخير ويرجون الأجر ثم يحبطون ذلك بالمن والأذى. لا تتصدق ثم تتحدث عن صدقتك، ولا تُفطِّر صائمًا ثم تردد وتُحصي مَن أفطروا عندك، ولا تسهم في مشروع خيري ثم تباهي بذلك العمل فتخسر الدنيا والآخرة.

سمع ابن سيرين رجلاً يقول "فعلتُ وفعلتُ وفعلتُ".. فقال له "اسكت؛ فلا خير في المعروف إذا أُحصي". وقال بعض الحكماء "المنُّ مفسدة الصنيعة". لا تترقب الشكر ممن قدَّمتَ له المعروف، ولا تطلب منه الدعاء، واجعله خالصًا لوجه الله، واجعل قدوتك نبي الله موسى عليه السلام حينما سقى للفتاتين وذهب، ولم ينتظر الشكر ولا الدعاء ولا الجزاء. علمًا بأنه كان بحاجة للطعام والمأوى، ولكنه دعا الله سبحانه وتعالى (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)

نسأل الباري -عز وجل- أن يوفقنا ويهدينا لأحسن وأفضل الأخلاق، وأن يصرفنا عن كل سوء.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org