الريادة التقنية بين الضرورة والترف
أولت رؤية السعودية 2030 اهتمامًا كبيرًا للتحول الرقمي، ونادت في أكثر من موقع بتوطين التقنية، والعمل الدؤوب لبلوغ مرحلة اقتصاد المعرفة؛ لذلك قامت الدولة بتشجيع كثير من المشاريع التي تقوم على المزاوجة بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي، ولاسيما المرتبطة بتقنيات الاتصال والروبوتات، وعلوم الفضاء والإنترنت فائق السرعة، والآلات المتطورة التي تقوم على التقنية والتصنيع الرقمي.
هذا النهج وجد طريقه إلى التنفيذ على أرض الواقع بصورة فورية من خلال العديد من المشاريع المتميزة، مثل مدينة نيوم التي تعتمد اعتمادًا شبه كامل على مخرجات الذكاء الاصطناعي من روبوتات وخلافه، التي قطع العمل فيها شوطًا بعيدًا، وتم إكمال عناصر البنية التحتية كافة، إضافة إلى مدينة أوكساجون التي تم إعلانها مؤخرًا.
وخلال الفترة الماضية بذلت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) جهودًا كبيرة في هذا الجانب. ولأن رؤية السعودية 2030 نادت صراحة بتأهيل الكوادر البشرية الوطنية، وعدم الاعتماد على العمالة الوافدة، فقد أعلنت الهيئة في أغسطس من العام الماضي إنشاء (أكاديمية سدايا) للمساهمة في تدريب وتأهيل 25 ألف متخصص وخبير في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، سيتم ابتعاث 5 آلاف منهم للدراسة في جامعات عالمية مرموقة لإتمام دراسات عليا متخصصة، فيما سيتم تأهيل 20 ألفًا على مدار السنوات العشر القادمة.
أبرز ما في تفاصيل الخطة التي أعلنتها سدايا أنها تركز على تحقيق أهداف معينة في آجال زمنية محددة، وتوفير الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية التي يأتي على رأسها إنشاء 400 شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي، والمساهمة في جلب استثمارات خلال السنوات العشر القادمة، تُقدر بنحو 80 مليار ريال.
خلال مؤتمر LEAP الذي أقامته وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أوائل شهر فبراير الماضي لفت نظري ما قاله دايبو ياو،رئيس الأعمال السحابية في شركة هواوي - الشرق الأوسط، الذي كشف صراحة أن الشركة العالمية تستهدف بصورة رئيسية السوق السعودي الذي وصفه بأنه الأكثر أهمية في المنطقة نسبة إلى أن السعودية تمضي في طريقها نحو التحول الرقمي الشامل.
أبرز ما قاله المسؤول الصيني هو أن التقنية الحديثة التي ستظهر خلال الفترة المقبلة سوف تكون قادرة على تغيير الكثير من البديهيات التي نتعامل معها اليوم؛ وهو ما يؤكد الحاجة إلى المواكبة المستمرة في هذا السوق الذي يشهد تغيرًا متواصلاً، ليس على مدار اليوم، بل ربما على مدار الساعة، إضافة إلى الحرص على وجود بنية تحتية رقمية متطورة؛ لأن ذلك يمثل مفتاح الوصول إلى الأسواق العالمية، وانتهاز الفرص الاستراتيجية المتاحة.
ولأن السعودية تمضي بقوة في طريقها للوصول إلى مرحلة الاقتصاد الرقمي، ولما تملكه من إمكانات هائلة، وما تبذله من جهود متواصلة في هذا الشأن، مع وجود فهم متطور وطموح عالٍ، تجلى في رؤية السعودية 2030 التي تحدثت عن هذا الجانب باستفاضة وتوسع، فقد أصبحت السعودية هدفًا للعديد من الشركات العالمية التي أبدت رغبتها في الدخول إلى السوق السعودي.
وتتعامل الجهات المختصة مع هذه الرغبة وهذا التوجه بصورة علمية وعملية؛ إذ تهتم بتوفير القدرات البشرية والإمكانات الفنية الضرورية لإحداث هذا التحول؛ لذا تم خلال الفترة الماضية تخريج ألف شاب وشابة من معسكر طويق في إطار تحقيق هدف رؤية 2030 المتمثل في إيجاد مبرمج من كل 100 مواطن سعودي بحلول عام 2030، وتشجيع الابتكار والإبداع، وتحقيق الريادة العالمية.
هذه الرؤى والتطلعات الطموحة ما كان لها أن توجد لولا فضل الله تعالى، ثم ما أوجدته رؤية السعودية 2030 التي رفعت سقف التوقعات إلى الحد الأعلى. كما أننا في هذا العهد الزاهر الذي نعيشه تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله –، لم نعد نقنع بأقل من مراتب الريادة والتفوق، وهو واقع يتناسب تمامًا مع مكانة هذه البلاد التي تبوأتها منذ قديم الزمان، وسِيرتها العريقة الضاربة بجذورها في أرض التاريخ والأصالة.