ربطت التجارب البشرية العملية والبحثية العلمية، نجاح الأعمال بعدة عوامل تزيد وتنقص، وقد تتغير حسب طبيعة النشاط أو بيئته، ولكن هناك عوامل تمثل قواسم مشتركة وثابتة، ولا بد لكل صاحب عمل أن يتحسسها ويتأكد من توفرها إذا كان يبتغي النجاح.
ومن أهم هذه العوامل ولاء العاملين للمنشأة؛ فبالتأكيد أن الشعور القوي بالانتماء للمكان يخلق دافعاً قوياً للعمل بجد وإخلاص وتقديم الأفضل، الذي يحقق النجاح والتطور، بيد أن الحصول على ولاء العاملين يتطلب الكثير، ويتعين على المنشأة للحصول عليه أن تحقق للموظفين مستوى من الرضا الوظيفي الذي يجعلهم يشعرون بشكل إيجابي تجاه العمل، وهذا بدوره يتطلب توفير الاحتياجات وتهيئة البيئة المناسبة، خاصة إذا كان العمل عملاً إبداعياً، وكذلك العدالة في مناحي الترقيات، وتوزيع المهام، والمكافآت المالية، والدعم المعنوي وتبادل الآراء والأفكار والملاحظات بحرية.. وغيرها.
كما أن المسؤول الإداري يُعدّ أحد العوامل الرئيسية لنجاح أو فشل الأعمال؛ إذ إن المسؤول المتميز هو من يتمتع بالقدرات والحكمة اللازمة لبناء جسور الثقة والولاء بين العاملين والمنشأة، وخلق بيئة عمل مهيِّئة تساعد على العطاء، فضلاً عن أن المسؤول الناجح يجب أن يكون لديه خطط واستراتيجيات للعمل والقدرة والاستعداد للاستماع إلى أفكار ومشاكل مرؤوسيه ومحاورتهم، وكذلك من الضروري تقديم الدعم المعنوي بالثناء والشكر إن أحسنوا في إنجاز أعمالهم، وبذات القدر فإن عليه أن يقدّم النقد الموضوعي البنّاء حال وقع أحدهم في خطأ.
وكل ما سبق يؤكد أن المسؤول الجيد هو أحد أهم العوامل التي تساعد على تحقيق الرضا والانتماء الوظيفي، الذي بدوره يؤسس للعمل الجماعي، فالعامل المنتمي المخلص هو مشروع عضو فريق عمل ناجح، ويمكنه مع استعداده النفسي اكتساب مهارات العمل الجماعي بسرعة ويسر، وبذل الجهد الذي يمكّنه من التغلب على تحديات العمل ضمن مجموعة، وهي كثيرة ومتجددة.
وقد أثبتت البحوث والدراسات أن العمل الجماعي في عصرنا الحالي هو أحد أهم ركائز النجاح، حيث إنه يعزز من كفاءة وجودة العمل؛ لأنه ينتج بمشاركة أفراد تتباين مهاراتهم وربما تخصصاتهم، ومع توفر إمكانية توزيع المهام والمسؤوليات، فإن العمل الجماعي يسهم بشكل حاسم في إنجاز المشاريع بسرعة، إضافة إلى أنه يعزز القدرة على حل المشكلات وتجنب المخاطر بفضل التفكير الجمعي الذي تحظى به فرق العمل المتناغمة.
وقد أدرك أصحاب الأعمال سواء كانوا من القطاع الخاص أو حتى العام حقيقة أن العمل الجماعي هو أنجع وأقصر الطرق للوصول إلى الأهداف، لذلك أصبحت القدرة على العمل ضمن فريق من أهم شروط التوظيف، وصار لزاماً على الباحثين عن النجاح الوظيفي امتلاك مهارات العمل الجماعي التي من أهمها العمل على فهم الأهداف والالتزام بتحقيقها، والقدرة على التواصل الجيد مع الزملاء والاستفادة من خبراتهم وقدراتهم لتطوير الذات، وحل المشكلات والاختلافات بالشكل الذي يحافظ على روح المجموعة، وغيرها من المهارات المهمة، ليس لضمان النجاح الوظيفي فحسب، بل للنجاح في معظم مجالات الحياة.
بالقليل من التمعّن في هذه السطور يتبين أن نجاح الأعمال يتحقق بتوافر سلسلة مترابطة ومتفاعلة من العوامل التي لا يمكن الاستغناء عن أحدها، لكن في المحصلة النهائية يجب أن يحقق تفاعل هذه العوامل مجموعة من المبادئ الأساسية اللازمة؛ أهمها: العدل والمساواة والتعاون الجماعي والأمانة، وهي مبادئ دعا لها ديننا الإسلامي الحنيف، منذ نحو 14 قرناً، وما زالت الإنسانية بتجاربها العملية والعلمية التي تكلف الكثير من الجهد والمال والزمن تعيد اكتشافها وهي بين يديها منذ قرون.