هل توجد علاقة بين القروض والادخار؟ بمعنى آخر: هل هناك علاقة بين قلة الوعي لدى الأُسر فيما يتعلق بالادخار؛ وبالتالي ارتفاع نسبة القروض الشخصية، أو ما يسمى بقروض الأفراد؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه في مقالي هذا.
قد يتفق الكثيرون معي في مدى أهمية الادخار لدى الأفراد والأُسر؛ إذ نجد -للأسف الشديد- أن معدل الادخار لديها منخفض انخفاضًا كبيرًا؛ وذلك نسبة إلى انخفاض الوعي بأهميته كآلية اقتصادية بعيدة المدى، بجانب عدم إلمام العديد بأهمية الادخار، وما له من مردود اقتصادي واجتماعي كبير جدًّا، بصورة عامة.
قلة الوعي هذه ساهمت بدرجة كبيرة في ارتفاع معدل القروض الشخصية ارتفاعًا تدريجيًّا، وبدرجة كبيرة جدًّا؛ إذ نجد قيمة القروض الممنوحة للأفراد تشكل 77 % من إجمالي القروض العقارية، أي ما نسبته 48 %، وذلك خلال الربع الثالث لعام 2021؛ لتصل إلى نحو 412.6 مليار ريال، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، التي بلغت آنذاك 279.2 مليار ريال، وذلك بحسب البيانات التي نشرها البنك المركزي السعودي "ساما" في نهاية العام الماضي 2021.
وهذا الأمر يشكل عبئًا كبيرًا على أفراد الأسر السعودية، ويزيد من أزماتها المالية مستقبلاً، وربما يعطل خططها وبرامجها ومشاريعها المستقبلية، التي إذا ما قُدر لها أن تنفذها فسوف تساعدها في تحقيق الاستقرار.
لقد أدى مفهوم قلة الوعي بمفهوم الادخار لدى الأسر إلى انخفاض معدلات الادخار بشكل كبير؛ فالادخار يساعد الأسر كثيرًا على اتخاذ قرارات سليمة، تساعدها على بناء مستقبلها بصورة آمنة ومستقرة، وتعمل على تأمين احتياجاتها الأساسية دون اللجوء إلى خيار القروض من البنوك، التي طالما تسببت في تبديد كل ما تمتلكه الأسر من رصيد مالي.
وهناك أسباب كثيرة أدت إلى انخفاض معدل الادخار لدى الأفراد والأسر السعودية، منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص. فمثلاً نجد الأفراد الذين ينالون تعليمًا عاليًا غالبًا ما تكون لديهم معرفة مالية بأهمية الادخار؛ إذ تنمو نِسَب معدل الادخار عند المجتمعات التي يتمتع أفرادها بتعليم أكاديمي عالٍ، بجانب دور المؤسسات الأهلية في القطاعَيْن العام والخاص في نشر الوعي بمدى أهمية الادخار كآلية في غاية الأهمية، تساهم في رفع المستوى الاقتصادي للأفراد والأسر؛ وبالتالي تأمين مستقبل مستقر لهم.
وعند مقارنة معدلات الادخار عالميًّا بمعدل الادخار لدينا في السعودية نجد الفرق شاسعًا؛ إذ لا يتعدى معدل الادخار من دخل الأسر السعودية ما نسبته 1.6 %، بينما تتراوح نسبته في عدد من الدول الأوروبية بين 10 و11 %، بل تتعدى نسبته في الصين إلى 35 %. وهذا فرق كبير، لا يصب في مصلحة الأسر السعودية.
ولعل ارتفاع نسب القروض الشخصية، أو الفردية، غالبًا ما يؤدي إلى عدم الوفاء بالالتزامات المالية مع نهاية كل شهر؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تراكم الديون؛ لأنه في هذه الحالة تفوق نفقات الأسرة معدل دخلها الشهري بدرجة كبيرة؛ وهذا ناتج من سوء في الإدارة المالية، بجانب عدم توافُر ثقافة الادخار بالصورة اللازمة.
هذا الأمر يتطلب من الأسر أن تعمل على اتخاذ تدابير، وأن توازن بين دخلها الشهري وإنفاقها.. فالقضية خطيرة جدًّا، وتحتاج لحملة وعي عامة، تشارك فيها مختلف الجهات داخل منظومة المجتمع، من مؤسسات عامة وخاصة، إضافة إلى أجهزة الصحافة والإعلام المختلفة.. ويا ويلكم من هذا الأمر الخطير إذا لم تنتبهوا إليه.