ظلت المرأة السعودية تلعب أدوارًا بالغة الأهمية في مجتمعاتها المحلية منذ قديم الزمن، وكانت سندًا للرجل، ودعمًا له، سواء كان والدًا أو زوجًا أو ابنًا. وتُحدثنا المراجع والكتب التاريخية بأن الأسواق شهدت في السابق مشاركة نسائية واسعة، وكانت هناك أماكن خاصة بالنساء، يمارسن فيها نشاطهن التجاري. كما كانت المرأة تعمل في الحقول، وتشارك زوجها وأبناءها مهام الزراعة وحصاد المحاصيل، وغير ذلك.
خلال حقبة معينة من تاريخ السعودية تراجع الدور النسائي بسبب إصرار بعض المتشددين على تغييب المرأة، وحصر دورها على داخل المنزل، متذرعين بعادات وتقاليد لا علاقة لها بالإسلام، بعد أن حاولوا تغليفها بغلاف الدين. وقد عارضت كثير من شرائح المجتمع هذا التوجه، كما أفتى العلماء الموثوقون بحق النساء في العمل وكسب الرزق؛ ما دام ذلك في إطار الالتزام بتعاليم الشرع وآدابه.
في هذا العهد الزاهر الذي نعيشه تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعضيده وولي عهده الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله–، استعادت المرأة معظم حقوقها، وباتت تملك قرارها، وتتمتع بكامل حقوقها التي منحها إياها الإسلام، وحفظتها القوانين والأنظمة. كما نالت شرف الانضمام إلى مجلس الشورى للإسهام في بناء التشريعات وسَن القوانين، ودخلت إلى عضوية كثير من مجالس إدارات الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية.
ومنذ إقرارها في 25 إبريل 2016، فقد هدفت رؤية السعودية 2030 بوضوح إلى إنصاف المرأة، وتمكينها، ورد حقوقها، وإتاحة المجال أمامها للانطلاق في فضاءات العمل، والمشاركة الإيجابية في حركة نمو المجتمع. وطالبت في محاورها الثلاثة بمساعدة النساء على زيادة مساهمتهن الإيجابية في الناتج المحلي الإجمالي، وتقليل نسبة البطالة في أوساطهن، إلى غير ذلك من أشكال الدعم المختلفة.
هذا الاهتمام المتعاظم يعكس ثقة القيادة الحكيمة في المرأة، وتمسكها بمنحها مزيدًا من الثقة التي تستحقها، عطفًا على الإنجازات الكبيرة التي حققتها، بعد أن تسلحت بالعلم والمعرفة، وتزودت بالخبرة والدراية، وأثبتت في كل محفل وميدان أنها على قدر التحدي.
وللحقيقة والإنصاف، وبعيدًا عن أي تعصب أو انحياز، فقد أكدت حواء السعودية جدارتها واستحقاقها لتلك الثقة الغالية، وأثبتت أنها طاقة كامنة في جوانب المجتمع كافة، ويمكن عبر استغلالها بطريقة مثلى، وتوجيهها نحو ميادين العطاء والإنتاج، أن تحقق بلادنا مكاسب عديدة.
المتابع لرحلة تمكين المرأة يدرك بوضوح أن التسهيلات التي تتمتع بها ليست مقصورة على مجرد تمكينها من سوق العمل، وإتاحة الفرصة أمامها للمنافسة على الوظائف، بل إن الجهد الأكبر تركز على تعديل القوانين التي كانت تتعرض بسببها للتعسف والظلم، ولاسيما فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية؛ فقد منعت القوانين تعرضها للعضل والحرمان من الميراث، وأتاحت لها الحصول على نفقة لها ولأولادها في حال الانفصال عن زوجها، والحق في حضانة أبنائها، والحصول على معاش الضمان الاجتماعي إذا تغيب الأب عنها وعن أبنائها، وغير ذلك من القوانين التي رفعت عنها الضرر.
هذا التوجه الحميد ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على الاقتصاد السعودي؛ فالإحصاءات تشير إلى أن سيدات الأعمال السعوديات يمتلكن في الغرف التجارية بجميع أنحاء السعودية ما يزيد على 80 ألف سجل تجاري، برأس مال يتجاوز 100 مليار ريال، وأن عدد المشاريع الاقتصادية التي تشارك فيها السعوديات تزيد على 100 ألف مشروع، وأن رأس مال تلك المشاريع يزيد على 400 مليار ريال.
وبالنظر إلى هذه القدرات الضخمة ندرك أنه يمكن أن تسهم في دعم التطور، وزيادة القدرات الشرائية، ولاسيما إذا علمنا أن كثيرًا من النساء أحجمن خلال السنوات الماضية عن استثمار مئات المليارات من الريالات اللاتي يملكنها، واضطررن لإيداعها في المصارف بسبب التعنت والمشقة في ممارسة العمل التجاري، دون أن تتم الاستفادة من تلك الأموال الهائلة التي كان يمكن أن تسهم في تطوير الواقع الاقتصادي، وإنشاء مئات المشاريع التي توفر فرص عمل إضافية لعشرات الآلاف من الشباب.
بلادنا تشهد تسارعًا في الخطوات الرامية إلى دعم مسيرة المرأة، ومنحها الفرصة للإسهام في تنمية مجتمعها على الأصعدة كافة، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وإزالة القيود المصطنعة التي وضعها بعض المتشددين. كما يؤكد ولاة الأمر في كثير من المناسبات أن الدولة ماضية في منح ثقتها الكاملة للمرأة؛ كي تتقدم أكثر، وتتبوأ موقعًا أكثر رفعة وتقدما، ولاسيما بعد النجاحات المتلاحقة التي حققتها على المستويَيْن الداخلي والخارجي.