في إطار رؤية السعودية 2030 الرامية إلى تنويع مصادر الدخل، وزيادة مساهمة المنتجات غير النفطية، دخلت صناعة المطاعم بوصفها واحدة من روافد الاستثمار الحديث خلال السنوات الأخيرة بصورة أكبر؛ إذ أصبحت المطاعم وجهة جاذبة للمستثمرين، بوصفها أحد القطاعات المزدهرة ذات الفرص الاستثمارية الواعدة؛ إذ أشار تقرير حديث صادر عن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" إلى أن أنشطة المطاعم في السعودية ستنمو بنسبة 12.2% بحلول عام 2025، فيما ارتفعت القيمة المضافة إلى نحو 65 مليار ريال سعودي في الربع الأول من العام الماضي، مقابل 61.5 مليار ريال للفترة نفسها من عام 2020، ويُتوقع ارتفاع قيمة القطاع إلى 45 مليار دولار أمريكي؛ ليكون الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.
وتركز رؤية 2030 على تقديم أفضل الخدمات للمجتمع السعودي ضمن برنامج جودة الحياة، ولاسيما أن السعودية تنتقل لتصبح إحدى الوجهات السياحية الرائدة في المنطقة عطفًا على المشاريع العديدة التي يجري تنفيذها في مختلف المناطق، كما تشير التوقعات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء إلى تزايد التعداد السكاني بمعدل 2.5% سنويًّا.
كل هذه المشاريع الرائدة توضح الحاجة الماسة إلى تطوير قطاع الأغذية والمطاعم؛ حتى يواكب التوجه الحالي نحو تعزيز القدرات السياحية. ويؤكد كثير من المختصين أن هذا القطاع موعودٌ بارتفاع معدلات النمو، وزيادة إقبال المستهلكين، وخصوصًا في موسمَي العمرة والحج، إضافة إلى مهرجانات الترفيه المتعددة مثل موسم الرياض وموسم جدة، وغيرهما.
ولأن العالم يشهد تغيرًا كبيرًا في المفاهيم، فإن المطاعم لم تعد مجرد أماكن لتناول الطعام، بل أصبحت ملتقيات وقاعات اجتماعات، ومنتديات للأدب والفن والثقافة، ومتنفسًا للترفيه والترويح لأفراد العائلة، وأندية لمشاهدة المباريات، وهذا كله يزيد من قيمة هذه الصناعة وتطورها، وارتفاع أسهمها في السوق السعودي.
وإذا ما استرجعنا التاريخ، وأعدنا عجلات الزمان إلى الوراء، فإن المطاعم عرفت طريقها إلى سوق السعودية منذ أكثر من ثلاث عقود، لكن بصورة تقليدية وعفوية داخل بنايات عادية عن طريق الأفراد، وبرؤوس أموال ضعيفة. ومع تطور العصر والثورة الحديثة نهض هذا القطاع، وأعلن حضوره بوصفه واحدًا من أذرع الاقتصاد الوطني، وواكب التطور وحالة الانتعاش والنمو العام التي تعيشها بلادنا.
هذه النهضة يُتوقع أن تتضاعف مع دخول كبرى الشركات الوطنية والأجنبية العالمية في السوق السعودي بخبرات إدارية ومهارات عالية؛ ما أشعل المنافسة، وزاد من وتيرة السباق لتقديم أفضل الخدمات للعملاء. ولا ننسى دخول بعض المؤسسات والمستثمرين في هذه السوق التي تتسع مع كل فجر جديد، وتستقبل مزيدًا من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
وبنظرة سريعة إلى واقع المطاعم السعودية في الوقت الراهن يُلاحظ بوضوح أن عنصر الشباب يمثل نسبة كبيرة من العاملين فيه ومن عملائه على حد سواء؛ فهم عصب هذا القطاع، والمحرك الأكبر لازدهاره وزيادة مبيعاته.
ومع المكاسب العديدة التي يحملها تطور هذا القطاع وازدهاره من توفير فرص عمل للشباب، فإنه يحمل في طياته أيضًا مكاسب أخرى عديدة، تتمثل في إنعاش السوق المحلي، وزيادة الطلب على المنتجات الوطنية، وتشجيع قيام صناعات أخرى مرتبطة بصناعة المواد الخام الضرورية للمطاعم، مثل الخبز والخضراوات والفواكه وقطاع التوصيل والتسويق، وغير ذلك من المجالات الأخرى؛ وهو ما يشير إلى منافعه العديدة.
مع احتدام التنافسية اتجهت المطاعم لتطوير خدماتها، ليس على مستوى جودة الطعام فقط، وإنما عملت على تطوير البنى التحتية والعمرانية والمرافق، واستخدام أجمل الواجهات الزجاجية والرخامية العصرية. كما تنتشر فيها باقات الورود والزهور، إضافة إلى بصمات مميزة من الديكور العصري على الجدران، والإضاءة الخافتة التي تمنح الأماكن حميمية خاصة، ودفئًا مطلوبًا، إضافة إلى استحداث خدمات متطورة، وطرق مبتكرة في صناعة الطعام وتقديمه، وبذل ما يلزم من جهد لإرضاء العميل.
وفيما يتعلق بجودة الطعام، وحسبما تشير مدونة الذواق، فإن المطاعم تميل لتقديم الوجبات الصحية الطازجة والساخنة بعيدًا عن الأغذية المجمدة، أو تلك التي أمضت فترات طويلة ما بين الاستيراد والتخزين. كما تراعي الجوانب الصحية بعيدًا عن المواد المسرطنة التي تتسبب في كثير من الأمراض، وتعتمد بصورة أكبر على المكون المحلي من أرض ومزارع أرض الحرمين الشريفين؛ وبذلك فاقت في جودتها ما يتم استيراده من الخارج، وحصلت على ثقة المستهلك، وحجزت لنفسها نصيبًا كبيرًا في السوق.