يمثل التعليم البوابة الأوسع والأكبر للتطور، والمدخل الرئيسي لتحقيق النهضة والتقدم؛ فهو حجر الزاوية الأساسي لإنجاز التنمية التي تنشدها الأمم والشعوب، والعنصر الرئيسي الذي تقوم عليه عمليات البناء المجتمعي، ولا قيمة لأي نهضة أو ازدهار اقتصادي إذا لم يكن هنالك تطور مماثل في العنصر البشري؛ لأنه المستهدف أساسًا بخطط التنمية.
وحتى يكون النجاح مستدامًا فإن الأجيال الجديدة لا بد أن تكون مؤهلة للحفاظ على المكتسبات، وهذا بطبيعة الحال لن يتأتى إلا عبر تطوير مخرجات التعليم والاهتمام بالطلاب؛ لذلك لا مفر لأي دولة تريد تحقيق أهدافها الاستراتيجية من الاهتمام بتطوير نظامها التعليمي، وزيادة جودة مخرجاته، وضمان تطوير المهارات الأساسية وتنمية المعارف.
ومخطئ مَن يربط التعليم وأهدافه الأساسية بمجرد تأهيل الشباب وتزويدهم بما يمكِّنهم من الحصول على وظائف في سوق العمل؛ لأن العلم في حد ذاته قيمة عظيمة، دعا إليها الإسلام، وحث عليها في كثير من المواضع؛ فأول آية قرآنية أنزلت هي قوله تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، كما تحفل الأحاديث النبوية الشريفة بالكثير من الترغيب في طلب العلم. كذلك فإن من أهم مزايا التعليم أنه يحصن مدارك الشباب والنشء، ويمنعهم من الدعوات الهدامة والأفكار الضالة؛ إذ يفتح مداركهم، وينير بصائرهم للتمييز بين الحق والزيف، والصواب والخطأ، ويمنحهم القدرة على التفكير وإعمال العقل.
لكل ما سبق فإن الدول التي تهتم بتطوير أنظمتها التعليمية هي التي تضمن البقاء في الصدارة والريادة، وتحقق التفوق؛ فالتعليم ليس عملية ثابتة جامدة، بل على العكس من ذلك تمامًا؛ هو يشهد حركة تطوُّر مستمرة، تستصحب آخر الاكتشافات وأحدث المخترعات؛ ليستطيع الطلاب مواكبة العالم الخارجي من حولهم.
ولأن المملكة تسعى لتحديث واقعها، وتطوير مجتمعها، ولاسيما بعد إقرار رؤية المملكة 2030، فقد تسارعت الدعوات لتطوير النظام التعليمي، وضرورة استخدام الطلاب وسائل التقنية، بما يساعدهم على التطور والنماء، وتسهيل العملية التعليمية؛ إذ تصبح الدراسة ممتعة وسريعة وسهلة الاستيعاب.
ولأن الرؤية تهدف إلى إدماج المملكة مع ما بات يعرف باقتصاد المعرفة فقد أظهرت عناية واضحة بمخرجات الذكاء الاصطناعي والتدابير التكنولوجية فائقة السرعة؛ وهو ما يستوجب أن يكون الطلاب على وعي تام منذ سنين مبكرة بأساسيات التحول التقني.
وقد حظيت العملية التعليمية بمراجعة شاملة خلال الفترة الماضية لاكتشاف الإيجابيات وتعزيزها، ومعرفة السلبيات ومعالجتها. وأبرز ما تم تعديله هو التقويم الدراسي؛ فقد أشارت الأجهزة المختصة إلى أن التقويم الدراسي السابق لم يكن بالمستوى المطلوب؛ لأنه يتسبب في إجهاد الطلاب نتيجة لكثرة أيام التدريس في الفصل الدراسي الواحد؛ وهذا ينعكس على مستوى تحصيلهم، وكثرة المقررات التي يدرسونها خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًّا؛ وهو ما يستلزم تكثيف الحصص؛ ويقلل بالتالي من قدرة الطلاب على الفهم والاستيعاب.
كذلك شملت عملية تعديل المناهج الدراسية تطويرًا وتحديثًا للمقررات، وتغيير السياسات التعليمية، وتحسين الخطط، وتضمين مواد جديدة، وتقديم تدريس مواد أخرى بناء على احتياج كل مرحلة وفصل دراسي. كل تلك الإجراءات هدفت إلى توفير منظومة تربوية شاملة لتعزيز قدرات ومهارات الطلاب، وإيجاد قاعدة صلبة، تمهد لازدهار البحث العلمي، وتنمية روح الابتكار، وتلبية احتياج سوق العمل؛ لتكون المحصلة في النهاية تخريج أجيال جديدة فاعلة وقادرة على المنافسة بقوة في سوق العمل.
خلال الأيام الماضية احتفلت الأوساط التعليمية في المملكة بالنتائج الباهرة التي حققها أبناؤنا في المنتخب السعودي للعلوم والهندسة خلال مشاركتهم في معرض "ريجينيرون" الدولي للعلوم والهندسة "آيسف 2022"، الذي أقيم في مدينة "أتلانتا" بولاية جورجيا الأمريكية خلال الفترة من 7 إلى 13 مايو الجاري؛ إذ نال ممثلو مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" ووزارة التعليم 15 جائزة كبرى، و6 جوائز خاصة من بين 2000 طالب وطالبة من 85 دولة.
هذه النتائج الباهرة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا نمتلك العناصر القادرة على تحقيق الهدف المنشود، وأن المستقبل سيكون بإذن الله أكثر إشراقًا، وأن هذه البلاد التي كانت مهد الحضارة الإنسانية ستظل كما هي على الدوام مصدر إشعاع ونهضة، فقط يلزمنا أن نسير على الدرب ذاته، وأن نبذل المزيد من الجهد لرعاية أبنائنا النوابغ، والأخذ بأيديهم إلى مراتب الترقي والتقدم.